نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1709
إن الندم والتوبة ليسا نهاية المطاف. ولكنه العمل الذي يعقب الندم والتوبة. فيصدق أو يكذب تلك المشاعر النفسية ويعمقها أو يكتسحها بعد أن تكون! إن الإسلام منهج حياة واقعية، لا تكفي فيه المشاعر والنوايا، ما لم تتحول إلى حركة واقعية. وللنية الطيبة مكانها ولكنها هي بذاتها ليست مناط الحكم والجزاء. إنما هي تحسب مع العمل، فتحدد قيمة العمل.
وهذا معنى الحديث: «إنما الأعمال بالنيات» .. الأعمال.. لا مجرد النيات! والفريق الأخير هو الذي لم يبت في أمره، وقد وكل أمره إلى ربه:
«وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ، إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» ..
وهؤلاء هم القسم الأخير من المتخلفين عن غزوة تبوك- غير المنافقين والمعتذرين والمخطئين التائبين- وهذا القسم لم يكن حتى نزول هذه الآية قد بت في أمره بشيء.
وكان أمرهم موكولاً إلى الله، لم يعلموه ولم يعلمه الناس بعد.. وقد روي أن هذه الآية نزلت في الثلاثة الذين خلفوا- أي أجل إعلان توبتهم والقضاء في أمرهم- وهم مرارة بن الربيع، وكعب بن مالك، وهلال ابن أمية، الذين قعدوا عن غزوة تبوك كسلاً وميلاً إلى الدعة واسترواحاً للظلال في حر الهاجرة! ثم كان لهم شأن مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- سيأتي تفصيله في موضعه من السورة في الدرس التالي.
روى ابن جرير بإسناده- عن ابن عباس- قال: لما نزلت هذه الآية.. يعني قوله: «خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها» .. أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموالهم.. يعني أموال أبي لبابة وصاحبيه..
فتصدق بها عنهم، وبقي الثلاثة الذين خالفوا أبا لبابة، ولم يوثقوا ولم يذكروا بشيء، ولم ينزل عذرهم، وضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وهم الذين قال الله: «وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» .. فجعل الناس يقولون. هلكوا! إذ لم ينزل لهم عذر. وجعل آخرون يقولون:
عسى الله أن يغفر لهم! فصاروا مرجئين لأمر الله، حتى نزلت: «لَقَدْ تابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ» .. الذين خرجوا معه إلى الشام.. «مِنْ بَعْدِ ما كادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ، ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُفٌ رَحِيمٌ» .. ثم قال: «وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا» - يعني المرجئين لأمر الله- نزلت عليهم التوبة فعموا بها، فقال: «حَتَّى إِذا ضاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ وَضاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ» ..
إلى قوله: «إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» .. (وكذلك روى- بإسناده- عن عكرمة وعن مجاهد، وعن الضحاك وعن قتادة. وعن ابن إسحاق) . فهذه الرواية أرجح والله أعلم..
ولما كان أمرهم مرجأ، فإننا نحب أن نرجئ الحديث فيه حتى يجيء في موضعه. إن شاء الله تعالى.
«وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً، وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى، وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً، لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ، فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا، وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ. أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ؟ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ؟ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ، إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1709