نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1696
وجزاء، يقومان على علم الله المطلق بالظواهر والسرائر:
«ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» ..
والغيب ما غاب عن الناس علمه، والشهادة ما يشهدونه ويعرفونه. والله سبحانه عالم الغيب والشهادة بهذا المعنى. وبمعنى أشمل وأكبر. فهو سبحانه يعلم ما في هذا العالم المشهود ويعلم ما وراءه من العوالم المغيبة..
وفي قوله تعالى لأولئك المخاطبين: «فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» .. إيماءة مقصودة. فهم يعلمون ما كانوا يعملون. ولكن الله- سبحانه- أعلم منهم بها حتى لينبئهم هو بها! وكم من دافع خفي للعمل يخفى حتى على صاحبه وهو يفعله، والله أعلم به منه! وكم من نتيجة لهذا العمل لا يدري صاحبه وقوعها، والله يعلمها دون صاحبها! .. والمقصود- بطبيعة الحال- هو نتيجة الإنباء. وهي الحساب والجزاء الحق على الأعمال. ولكن هذه النتيجة لا ينص عليها، إنما ينص على الإنباء ذاته لمناسبة هذه الإيماءة في هذا السياق.
«سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ- إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ- لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ. فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ، إِنَّهُمْ رِجْسٌ، وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ، جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» ..
وهذا إنباء آخر من الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم، عما سيكون من أمر القوم عند ما يعود إليهم هو والمؤمنون الخلص معه سالمين آمنين. وكان المنافقون قد ظنوا أنهم لا يعودون من لقاء الروم! فقد علم الله وأخبر نبيه أنهم سيؤكدون معاذيرهم بالحلف بالله لعل المسلمين يعرضون عن فعلتهم وتخلفهم عفواً وصفحاً ولا يحاسبونهم عليها ويجازونهم بها.
ثم يوجهه ربه إلى الإعراض عنهم فعلاً، لكن لا بمعنى العفو والصفح إنما بمعنى الإهمال والاجتناب.
معللاً ذلك بأنهم دنس يتجنب ويتوقى:
«فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ، إِنَّهُمْ رِجْسٌ» ..
وهو التجسيم الحسي للدنس المعنوي. فهم ليسوا رجساً- أي دنساً- بأجسادهم وذواتهم إنما هم رجس بأرواحهم وأعمالهم. ولكنها الصورة المجسمة أشد بشاعة وأبين قذارة، وأدعى إلى التقزز والاشمئزاز، وإلى الاحتقار كذلك والازدراء! والقاعدون في الجماعة المكافحة- وهم قادرون على الحركة- الذين يقعد بهم إيثار السلامة عن الجهاد..
رجس ودنس. ما في ذلك شك ولا ريب.. رجس خبيث يلوث الأرواح، ودنس قذر يؤذي المشاعر كالجثة المنتنة في وسط الأحياء تؤذي وتعدي! «وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» ..
وهم يحسبون أنهم يكسبون بالتخلف ويربحون بالقعود ويجنون السلامة والراحة ويحتفظون بالعافية والمال.. ولكن الحقيقة أنهم دنس في الدنيا، وأنهم يضيعون نصيبهم في الآخرة. فهي الخسارة المطبقة بكل ألوانها وأشكالها.. ومن أصدق من الله حديثاً؟.
ثم يمضي السياق ينبئ عما سيقع من هؤلاء القاعدين بعد عودة المجاهدين:
«يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ. فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ» ..
إنهم يطلبون ابتداء من المسلمين أن يعرضوا عن فعلتهم صفحاً وعفواً. ثم يتدرجون من هذا إلى طلب رضى المسلمين عنهم ليضمنوا السلامة في المجتمع المسلم بهذا الرضى! ويضمنوا أن يظل المسلمون يعاملونهم بظاهر
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1696