نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1661
من هنا يبدأ الحديث عن الطوائف التي ظهرت عليها أعراض الضعف في الصف. وبخاصة جماعة المنافقين، الذين اندسوا في صفوف المسلمين باسم الإسلام، بعد أن غلب وظهر، فرأى هؤلاء أن حب السلامة وحب الكسب يقتضيان أن يحنوا رؤوسهم للإسلام، وأن يكيدوا له داخل الصفوف بعد أن عز عليهم أن يكيدوا له خارج الصفوف.
وسنرى في هذا المقطع كل الظواهر التي تحدثنا عنها في تقديم السورة كما يصورها السياق القرآني. ونحسب أنها ستكون مفهومة واضحة في ضوء ذلك التقديم الذي أسلفنا:
«لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ، وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنا لَخَرَجْنا مَعَكُمْ، يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ. عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ؟ لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ. إِنَّما يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَارْتابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ وَلَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ، فَثَبَّطَهُمْ، وَقِيلَ: اقْعُدُوا مَعَ الْقاعِدِينَ. لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ ما زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ، وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ. لَقَدِ ابْتَغَوُا الْفِتْنَةَ مِنْ قَبْلُ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتَّى جاءَ الْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كارِهُونَ» ..
لو كان الأمر أمر عرض قريب من أعراض هذه الأرض، وأمر سفر قصير الأمد مأمون العاقبة لاتبعوك! ولكنها الشقة البعيدة التي تتقاصر دونها الهمم الساقطة والعزائم الضعيفة. ولكنه الجهد الخطر الذي تجزع منه الأرواح الهزيلة والقلوب المنخوبة. ولكنه الأفق العالي الذي تتخاذل دونه النفوس الصغيرة والبنية المهزولة.
وإنه لنموذج مكرور في البشرية ذلك الذي ترسمه تلك الكلمات الخالدة:
«لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ وَلكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ» ..
فكثيرون هم أولئك الذين يتهاوون في الطريق الصاعد إلى الآفاق الكريمة. كثيرون أولئك الذين يجهدون لطول الطريق فيتخلفون عن الركب ويميلون إلى عرض تافه أو مطلب رخيص. كثيرون تعرفهم البشرية
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1661