responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1563
كذلك قامت في التاريخ الحديث تجمعات أخرى.. تجمع الإمبراطورية البريطانية مثلاً.. ولكنه كان كالتجمع الروماني الذي هو وريثه! تجمعاً قومياً استغلالياً يقوم على أساس سيادة القومية الإنجليزية، واستغلال المستعمرات التي تضمها الإمبراطورية.. ومثله الإمبراطوريات الأوربية كلها: الإمبراطورية الأسبانية والبرتغالية في وقت ما، والإمبراطورية الفرنسية.. وكلها في ذلك المستوى الهابط البشع المقيت! وأرادت الشيوعية أن تقيم تجمعاً من نوع آخر، يتخطى حواجز الجنس والقوم والأرض واللغة واللون.
ولكنها لم تقمه على قاعدة «إنسانية» عامة. إنما أقامته على القاعدة «الطبقية» .. فكان هذا التجمع هو الوجه الآخر للتجمع الروماني القديم.. هذا تجمع على قاعدة طبقة «الأشراف» وذلك تجمع على قاعدة طبقة «الصعاليك» (البروليتريا) والعاطفة التي تسوده هي عاطفة الحقد الأسود على سائر الطبقات الأخرى! وما كان لمثل هذا التجمع الصغير أن يثمر إلا أسوأ ما في الكائن الإنساني.. فهو ابتداء قائم على أساس إبراز الصفات الحيوانية وحدها وتنميتها وتمكينها باعتبار أن «المطالب الأساسية» للإنسان هي «الطعام والمسكن والجنس» - وهي مطالب الحيوان الأولية- وباعتبار أن تاريخ الإنسان هو تاريخ البحث عن الطعام!!! لقد تفرد الإسلام بمنهجه الرباني في إبراز أخص خصائص الإنسان وتنميتها وإعلائها في بناء المجتمع الإنساني..
وما يزال مفرداً.. والذين يعدلون عنه إلى أي منهج آخر، يقوم على أية قاعدة أخرى من القوم أو الجنس أو الأرض أو الطبقة.. إلى آخر هذا النتن السخيف هم أعداء الإنسان حقاً! هم الذين لا يريدون لهذا الإنسان أن يتفرد في هذا الكون بخصائصه العليا كما فطره الله ولا يريدون لمجتمعه أن ينتفع بأقصى كفايات أجناسه وخصائصها وتجاربها في امتزاج وتناسق.. وهم في الوقت ذاته يسبحون ضد التيار ويعملون ضد خط الصعود الإنساني ليعودوا بالإنسان إلى التجمع على مثل ما تتجمع عليه «البهائم» من الحظيرة والكلأ! بعد أن رفعه الله إلى ذلك المقام الكريم الذي يتجمع فيه على ما يليق أن تتجمع عليه «الناس» ! وأعجب العجب أن يسمى التجمع على خصائص الإنسان العليا تعصباً وجموداً ورجعية، وأن يسمى التجمع على مثل خصائص الحيوان تقدماً ورقياً ونهضة وأن تقلب القيم والاعتبارات كلها لا لشيء إلا للهروب من التجمع على أساس العقيدة.. خصيصة الإنسان العليا..
ولكن الله غالب على أمره.. وهذه الانتكاسات الحيوانية الجاهلية في حياة البشرية لن يكتب لها البقاء..
وسيكون ما يريده الله حتماً.. وستحاول البشرية ذات يوم أن تقيم تجمعاتها على القاعدة التي كرم الله الإنسان بها. والتي تجمع عليها المجتمع المسلم الأول فكان له تفرده التاريخي الفائق. وستبقى صورة هذا المجتمع تلوح على الأفق، تتطلع إليها البشرية وهي تحاول مرة أخرى أن ترقى في الطريق الصاعد إلى ذلك المرتقى السامي الذي بلغت إليه في يوم من الأيام..

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1563
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست