نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1534
«وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ، وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ، ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ، وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» ..
قد تعنيان حال المشركين يوم بدر والملائكة تشترك في المعركة- كما قال لهم الله سبحانه: «فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ. ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَمَنْ يُشاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ» .. وإن كنا- كما قلنا عند استعراض هذا النص في الجزء التاسع- لا ندري كيف تضرب الملائكة فوق الأعناق وكل بنان. ولكن جهلنا بالكيفية لا يدعونا إلى تأويل هذا النص عن مدلوله الظاهر وهو أن هناك أمراً من الله للملائكة بالضرب، وأن الملائكة «لا يَعْصُونَ اللَّهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ [1] » ..
وتكون هاتان الآيتان هنا تذكيراً بما كان يوم بدر وتكملة لحكاية فعل الملائكة فيه بالذين كفروا..
كما أن هاتين الآيتين قد تعنيان حالة دائمة كلما توفت الملائكة الذين كفروا.. في يوم بدر وفي غيره..
ويكون قوله تعالى: «وَلَوْ تَرى» .. موجهاً توجيه الخطاب لكل من يرى، كما يكثر مثل هذا الأسلوب في التوجيه إلى المشاهد البارزة التي من شأنها أن يتوجه إليها كل من يرى..
وسواء كان هذا أو ذاك. فالتعبير القرآني يرسم صورة منكرة للذين كفروا، والملائكة تستل منهم أرواحهم في مشهد مهين يضيف المهانة والخزي، إلى العذاب والموت:
«وَلَوْ تَرى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبارَهُمْ» ..
ثم يتحول السياق من صيغة الخبر إلى صيغة الخطاب:
«وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ» .
ليرد المشهد حاضراً كأنه اللحظة مشهود وكأنما جهنم بنارها وحريقها في المشهد وهم يدفعون إليها دفعاً مع التأنيب والتهديد:
«ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ» ..
وأنتم إنما تلاقون جزاء عادلاً، تستحقونه بما قدمت أيديكم:
«وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ» ..
وهذا النص- بما يعرضه من مشهد «عذاب الحريق» - يثير في النفس سؤالاً: ترى هذا تهديد من الملائكة للذين كفروا بعذاب المستقبل المقرر لهم- كأنه واقع بهم- بعد البعث والحساب؟ أم إنهم يلاقون عذاب الحريق بمجرد توفيهم؟ ..
وكلاهما جائز، لا يمنع مانع من فهمه من النص القرآني.. ولا نحب أن نزيد شيئاً على هذا التقرير..
فهو أمر من أمور الغيب الذي استأثر الله بعلمه وليس علينا فيه إلا اليقين بوقوعه. وهو واقع ماله من دافع.
أما موعده فعلم ذلك عند علام الغيوب.
وننتقل من هذه الوقفة الخاطفة، مع السياق في انتقاله إلى تقرير الحقيقة الكلية وراء هذا المشهد.. إن [1] وليس كالذي قاله المرحوم السيد رشيد رضا من أنه ثبت أن الملائكة لم تشترك في المعركة يوم بدر إلا بمخالطة أرواح المؤمنين وتثبيتهم.
فهذا مخالف لظاهر النص. والنص أولى بالاتباع.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1534