نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1518
بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ، وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ، نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ»
..
ثم تابع الحديث في هذا الدرس عن أحكام الغنائم التي تنشأ من النصر في ذلك القتال الذي بين غايته وهدفه:
«حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ» ..
ومع أن غاية الجهاد قد تحددت بهذا النص الواضح وتبين منها أنه جهاد لله، وفي سبيل أهداف تخص دعوة الله ودينه ومنهجه للحياة.. ومع أن ملكية الأنفال التي تتخلف عن هذا الجهاد قد بت في أمرها من قبل، فردت إلى الله والرسول، وجرّد منها المجاهدون لتخلص نيتهم وحركتهم لله.. مع هذا وذلك فإن المنهج القرآني الرباني يواجه الواقع الفعلي بالأحكام المنظمة له. فهناك غنائم وهناك محاربون. وهؤلاء المحاربون يجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم: هم يتطوعون للجهاد، وهم يجهزون أنفسهم على نفقتهم الخاصة وهم يجهزون غيرهم من المجاهدين الذين لا يجدون ما ينفقون.. ثم هم يغنمون من المعركة غنائم. يغنمونها بصبرهم وثباتهم وبلائهم في الجهاد.. ولقد خلص الله نفوسهم وقلوبهم من أن يكون فيها شيء يحيك من شأن هذه الغنائم فرد ملكيتها ابتداء لله ورسوله.. وهكذا لم يعد من بأس في إعطائهم نصيبهم من هذه الغنائم- وهم يشعرون أنهم إنما يعطيهم الله ورسوله- فيلبي هذا الإعطاء حاجتهم الواقعية، ومشاعرهم البشرية، دون أن ينشأ عنه محظور من التكالب عليه، والتنازع فيه، بعد ذلك الحسم الذي جاء في أول السورة..
إنه منهج الله الذي يعلم طبيعة البشر ويعاملهم بهذا المنهج المتوازن المتكامل، الذي يلبي حاجات الواقع كما يلبي مشاعر البشر وفي الوقت ذاته يتقي فساد الضمائر وفساد المجتمع، من أجل تلك المغانم! «وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ، وَلِلرَّسُولِ، وَلِذِي الْقُرْبى، وَالْيَتامى، وَالْمَساكِينِ، وَابْنِ السَّبِيلِ.. إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ.. وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ..
وبين الروايات المأثورة والآراء الفقهية خلاف طويل.. أولاً: حول مدلول «الغنائم» ومدلول «الأنفال» هل هما شيء واحد، أم هما شيئان مختلفان؟ وثانياً: حول هذا الخمس- الذي يتبقى بعد الأخماس الأربعة التي منحها الله للمقاتلين- كيف يقسم؟ وثالثاً: حول خمس الخمس الذي لله. أهو الخمس الذي لرسول الله، أم هو خمس مستقل؟ .. ورابعاً: حول خمس الخمس الذي لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أهو خاص به أم ينتقل لكل إمام بعده؟ وخامساً: حول خمس الخمس الذي لأولي القربى، أهو باق في قرابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من بني هاشم وبني عبد المطلب، كما كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أم يرجع إلى الإمام يتصرف فيه؟ وسادساً: أهي أخماس محددة يقسم إليها الخمس، أم يترك التصرف فيه كله لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولخلفائه من بعده؟ ... وخلافات أخرى فرعية.
ونحن- على طريقتنا في هذه الظلال- لا ندخل في هذه التفريعات الفقهية التي يحسن أن تطلب في مباحثها الخاصة.. هذا بصفة عامة.. وبصفة خاصة فإن موضوع الغنائم بجملته ليس واقعاً إسلامياً يواجهنا اليوم أصلاً.
فنحن اليوم لسنا أمام قضية واقعة، لسنا أمام دولة مسلمة وإمامة مسلمة وأمة مسلمة تجاهد في سبيل الله، ثم تقع لها غنائم تحتاج إلى التصرف فيها! لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاء هذا الدين إلى البشرية أول مرة ورجع الناس إلى الجاهلية التي كانوا عليها، فأشركوا مع الله أرباباً أخرى تصرف حياتهم بشرائعها البشرية! ولقد عاد هذا الدين أدراجه ليدعو الناس من جديد إلى الدخول فيه.. إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.. إلى إفراد الله سبحانه بالألوهية والحاكمية والسلطان. والتلقي في هذا الشأن عن رسول الله
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1518