نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1516
في أخذ الكافرين المكذبين بذنوبهم.. وكما ذكر الملائكة في الشطر الأول وهم يثبتون المؤمنين ويضربون أعناق الكفار وأيديهم، فكذلك يذكر في هذا الشطر الثاني أن الملائكة يتوفون الذين كفروا يضربون وجوههم وأدبارهم.. وكما قال في الشطر الأول عن الذين كفروا: إنهم شر الدواب، فكذلك يكرر هنا هذا الوصف بمناسبة الحديث عن نقضهم لعهدهم كلما عاهدوا، وتمهيدا لما يأمر به الله رسوله- صلى الله عليه وسلم- من أحكام التعامل معهم في الحرب والسلم وهي أحكام مفصلة للعلاقات بين المعسكر الإسلامي والمعسكرات المعادية والمسالمة، بعضها أحكام نهائية، وبعضها أحكام استكملت فيما بعد في سورة التوبة..
وإلى هنا تكاد تكون هذه الدورة الثانية في السورة مطابقة- من حيث طبيعة الموضوعات ومن حيث ترتيبها في السياق- لما جاء في الدورة الأولى، مع شيء من التفصيل في أحكام المعاملات بين المعسكر الإسلامي وسائر المعسكرات.
ثم تزيد في ختام السورة موضوعات وأحكام أخرى متصلة بها، ومكملة لها:
يذكر الله- سبحانه- رسوله- صلى الله عليه وسلم- والذين آمنوا معه، بمنته عليهم في تأليف قلوبهم، وقد كانت مستعصية على التأليف لولا إرادة الله ورحمته ومنته.
ويطمئنهم الله كذلك إلى كفايته لهم وحمايته.. ومن ثم يأمر رسوله بتحريضهم على القتال ويريهم أنهم بإيمانهم- إذا صبروا- أكفاء لعشرة أضعافهم من الذين كفروا الذين لا يفقهون، لأنهم لا يؤمنون! وأنهم في أضعف حالاتهم أكفاء لضعفهم من الذين كفروا- متى صبروا. والله مع الصابرين.
ثم يعاتبهم الله سبحانه على قبولهم الفدية في الأسرى وهم لم يثخنوا في الأرض بعد، ولم يخضدوا شوكة عدوهم ولم يستقر سلطانهم وتثبت دولتهم. فيقرر بهذا منهج الحركة الإسلامية في المراحل المختلفة والأحوال المتعددة، ويدل على مرونة هذا المنهج وواقعيته في مواجهة الواقع في المراحل المختلفة.. وكذلك يبين الله لهم كيف يعاملون من في أيديهم من الأسرى، وكيف يحببونهم في الإيمان، ويزينونه في قلوبهم ثم يخذل الله هؤلاء الأسرى عن محاولة الخيانة مرة أخرى وييئسهم من جدواها فالله الذي أمكن منهم أول مرة حين خانوه بالكفر، سيمكن منهم مرة أخرى لو خانوا رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأخيرا تجيء الأحكام المنظمة لعلاقات الجماعة المسلمة فيما بينها، وعلاقاتها بالمجموعات التي تدخل في الإسلام، ولكنها لا تلحق بدار الإسلام، ثم علاقاتها بالذين كفروا في حالات معينة، ومن حيث المبدأ العام أيضا. حيث تتجلى في هذه الأحكام طبيعة التجمع الإسلامي وطبيعة المنهج الإسلامي كله وحيث يبدو بوضوح كامل أن «التجمع الحركي» هو قاعدة الوجود الإسلامي، الذي تنبثق منه أحكامه في المعاملات الداخلية والخارجية وأنه لا يمكن فصل العقيدة والشريعة في هذا الدين عن الحركة والوجود الفعلي للمجتمع المسلم.
وهذا حسبنا في هذا التمهيد القصير، لنواجه بعده النصوص القرآنية بالتفصيل: