نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1502
ويمضي السياق في وصف أحوال الكفار وأفعالهم ودعاويهم ومفترياتهم. حتى ليبلغ بهم الادعاء أن يزعموا أن في مقدورهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن لو شاءوا! مع وصف هذا القرآن الكريم، بأنه أساطير الأولين:
«وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا: قَدْ سَمِعْنا! لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا! إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» ..
ذكر ابن كثير في التفسير- نقلا عن سعيد بن جبير والسدي وابن جريج وغيرهم- أن القائل لذلك هو النضر ابن الحارث قال: «فإنه- لعنه الله- كان قد ذهب إلى بلاد فارس، وتعلم من أخبار ملوكهم رستم واسفنديار ولما قدم وجد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قد بعثه الله وهو يتلو على الناس القرآن. فكان- عليه الصلاة والسلام- إذا قام من مجلس جلس فيه النضر فحدثهم من أخبار أولئك ثم يقول: بالله أينا أحسن قصصا؟
أنا أو محمد؟ ولهذا لما أمكن الله تعالى فيه يوم بدر ووقع في الأسارى، أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن تضرب رقبته صبرا بين يديه، ففعل ذلك والحمد لله. وكان الذي أسره المقداد بن الأسود رضي الله عنه..
كما قال ابن جرير: حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد ابن جبير قال: قتل النبي- صلى الله عليه وسلم- يوم بدر صبرا عقبة بن أبي معيط، وطعيمة بن عدي، والنضر بن الحارث. وكان المقداد أسر النضر، فلما أمر بقتله قال المقداد: يا رسول الله، أسيري! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «إنه كان يقول في كتاب الله عز وجل ما يقول» . فأمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقتله، فقال المقداد: يا رسول الله، أسيري! فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-:
«اللهم أغن المقداد من فضلك» . فقال المقداد: هذا الذي أردت! قال: وفيه أنزلت هذه الآية: «وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا قالُوا: قَدْ سَمِعْنا، لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا، إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ» ..
ولقد تكررت في القرآن حكاية قول المشركين عن القرآن: إنه أساطير الأولين: «وقالوا: أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكره وأصيلاً» ..
وما كان هذا القول إلا حلقة من سلسلة المناورات التي كانوا يحاولون أن يقفوا بها في وجه هذا القرآن، وهو يخاطب الفطرة البشرية بالحق الذي تعرفه في أعماقها فتهتز وتستجيب ويواجه القلوب بسلطانه القاهر فترتجف لإيقاعه ولا تتماسك. وهنا كان يلجأ العلية من قريش إلى مثل هذه المناورات. وهم يعلمون أنها مناورات! ولكنهم كانوا يبحثون في القرآن عن شيء يشبه الأساطير المعهودة في أساطير الأمم من حولهم ليموهوا به على جماهير العرب، الذين من أجلهم تطلق هذه المناورات، للاحتفاظ بهم في حظيرة العبودية للعبيد! لقد كان الملأ من قريش يعرفون طبيعة هذه الدعوة، مذ كانوا يعرفون مدلولات لغتهم الصحيحةَ! كانوا يعرفون أن شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، معناها إعلان التمرد على سلطان البشر كافة، والخروج من حاكمية العباد جملة والفرار إلى ألوهية الله وحده وحاكميته. ثم التلقي في هذه العبودية لله عن محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وحده، دون الناطقين باسم الآلهة أو باسم الله! .. وكانوا يرون الذين يشهدون هذه الشهادة يخرجون لتوهم من سلطان قريش وقيادتها وحاكميتها وينضمون إلى التجمع الحركي الذي يقوده محمد- صلى الله عليه وسلم- ويخضعون لقيادته وسلطانه وينتزعون ولاءهم للأسرة والعشيرة والقبيلة والمشيخة والقيادة الجاهلية ويتوجهون بولائهم كله للقيادة الجديدة، وللعصبة المسلمة التي تقوم عليها هذه القيادة الجديدة.
كان هذا كله هو مدلول شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.. وكان هذا واقعاً يشهده الملأ
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1502