responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1498
أن تجاهد لتحقيق مدلوله الواقعي والنهوض بتكاليف هذا الجهاد في الأنفس والأموال والأولاد.
كذلك يحذرها خيانة الأمانة التي حملتها يوم بايعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على الإسلام.
فالإسلام ليس كلمة تقال باللسان، وليس مجرد عبارات وأدعيات. إنما هو منهج حياة كاملة شاملة تعترضه العقبات والمشاق. إنه منهج لبناء واقع الحياة على قاعدة أن لا إله إلا الله وذلك برد الناس إلى العبودية لربهم الحق ورد المجتمع إلى حاكميته وشريعته، ورد الطغاة المعتدين على ألوهية الله وسلطانه من الطغيان والاعتداء وتأمين الحق والعدل للناس جميعا وإقامة القسط بينهم بالميزان الثابت وتعمير الأرض والنهوض بتكاليف الخلافة فيها عن الله بمنهج الله..
وكلها أمانات من لم ينهض بها فقد خانها وخاس بعهده الذي عاهد الله عليه، ونقض بيعته التي بايع بها رسوله.
وكل أولئك في حاجة إلى التضحية والصبر والاحتمال وإلى الاستعلاء على فتنة الأموال والأولاد، وإلى التطلع إلى ما عند الله من الأجر العظيم، المدخر لعباده الأمناء على أماناته، الصابرين المؤثرين المضحين:
«وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ، وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ»
..
إن هذا القرآن يخاطب الكينونة البشرية، بما يعلم خالقها من تركيبها الخفي، وبما يطلع منها على الظاهر والباطن، وعلى المنحنيات والدروب والمسالك! وهو- سبحانه- يعلم مواطن الضعف في هذه الكينونة. ويعلم أن الحرص على الأموال وعلى الأولاد من أعمق مواطن الضعف فيها.. ومن هنا ينبهها إلى حقيقة هبة الأموال والأولاد.. لقد وهبها الله للناس ليبلوهم بها ويفتنهم فيها. فهي من زينة الحياة الدنيا التي تكون موضع امتحان وابتلاء ليرى الله فيها صنيع العبد وتصرفه.. أيشكر عليها ويؤدي حق النعمة فيها؟ أم يشتغل بها حتى يغفل عن أداء حق الله فيها؟: «وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً» .. فالفتنة لا تكون بالشدة وبالحرمان وحدهما.. إنها كذلك تكون بالرخاء وبالعطاء أيضا! ومن الرخاء العطاء هذه الأموال والأولاد..
هذا هو التنبيه الأول:
«وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ»
..
فإذا انتبه القلب إلى موضع الامتحان والاختبار، كان ذلك عونا له على الحذر واليقظة والاحتياط أن يستغرق وينسى ويخفق في الامتحان والفتنة.
ثم لا يدعه الله بلا عون منه ولا عوض.. فقد يضعف عن الأداء- بعد الانتباه- لثقل التضحية وضخامة التكليف وبخاصة في موطن الضعف في الأموال والأولاد! إنما يلّوح له بما هو خير وأبقى، ليستعين به على الفتنة ويتقوى:
«وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ»
..
إنه- سبحانه- هو الذي وهب الأموال والأولاد.. وعنده وراءهما أجر عظيم لمن يستعلي على فتنة الأموال والأولاد، فلا يقعد أحد إذن عن تكاليف الأمانة وتضحيات الجهاد.. وهذا هو العون والمدد للإنسان الضعيف، الذي يعلم خالقه مواطن الضعف فيه: «وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً» ..
إنه منهج متكامل في الاعتقاد والتصور، والتربية والتوجيه، والفرض والتكليف. منهج الله الذي يعلم لأنه هو الذي خلق: «أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ؟» .

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1498
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست