responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1423
إنني لم أجد نفسي مرة واحدة- في مواجهة هذه الموضوعات الأساسية- في حاجة إلى نص واحد من خارج هذا القرآن- فيما عدا قول رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهو من آثار هذه القرآن- بل إن أي قول آخر ليبدو هزيلاً- حتى لو كان صحيحاً- إلى جانب ما يجده الباحث في هذا الكتاب العجيب..
إنها الممارسة الفعلية التي تنطق بهذه التقريرات والصحبة الطويلة في ظل حاجات الرؤية والبحث والنظر في هذه الموضوعات.. وما بي أن أثني على هذا الكتاب.. ومن أنا ومن هؤلاء البشر جميعاً ليضيفوا إلى كتاب الله شيئاً بما يملكون من هذا الثناء! لقد كان هذا الكتاب هو مصدر المعرفة والتربية والتوجيه والتكوين الوحيد لجيل من البشر فريد.. جيل لم يتكرر بعد في تاريخ البشرية- لا من قبل ولا من بعد- جيل الصحابة الكرام الذين أحدثوا في تاريخ البشرية ذلك الحدث الهائل العميق الممتد، الذي لم يدرس حق دراسته إلى الآن..
لقد كان هذا المصدر هو الذي أنشأ- بمشيئة الله وقدره- هذه المعجزة المجسمة في عالم البشر. وهي المعجزة التي لا تطاولها جميع المعجزات والخوارق التي صحبت الرسالات جميعاً.. وهي معجزة واقعة مشهودة..
أن كان ذلك الجيل الفريد ظاهرة تاريخية فريدة ... «1»
ولقد كان المجتمع الذي تألف من ذلك الجيل أول مرة، والذي ظل امتداده أكثر من ألف عام، تحكمه الشريعة التي جاء بها هذا الكتاب، ويقوم على قاعدة من قيمه وموازينه، وتوجيهاته وإيحاءاته.. كان هذا المجتمع معجزة أخرى في تاريخ البشرية. حين تقارن إليه صور المجتمعات البشرية الأخرى، التي تفوقه في الإمكانيات المادية- بحكم نمو التجربة البشرية في عالم المادة- ولكنها لا تطاوله في «الحضارة الإنسانية» ! [2] إن الناس اليوم- في الجاهلية الحديثة! - يطلبون حاجات نفوسهم ومجتمعاتهم وحياتهم خارج هذا القرآن! كما كان الناس في الجاهلية العربية يطلبون خوارق غير هذا القرآن! .. فأما هؤلاء فقد كانت تحول جاهليتهم الساذجة، وجهالتهم العميقة- كما تحول أهواؤهم ومصالحهم الذاتية كذلك- دون رؤية الخارقة الكونية الهائلة في هذا الكتاب العجيب! .. فأما أهل الجاهلية الحاضرة، فيحول بينهم وبين هذا القرآن غرور «العلم البشري» الذي فتحه الله عليهم في عالم المادة. وغرور التنظيمات والتشكيلات المعقدة بتعقيد الحياة البشرية اليوم ونموها ونضجها من ناحية التنظيم والتشكيل. وهو أمر طبيعي مع امتداد الحياة وتراكم التجارب، وتجدد الحاجات، وتعقدها كذلك! كما يحول بينهم وبين هذا القرآن كيد أربعة عشر قرناً من الحقد اليهودي والصليبي الذي لم يكف لحظة واحدة عن حرب هذا الدين وكتابه القويم وعن محاولة إلهاء أهله عنه وإبعادهم عن توجيهه المباشر. بعد ما علم اليهود والصليبيون من تجاربهم الطويلة: أن لا طاقة لهم بأهل هذا الدين، ما ظلوا عاكفين على هذا الكتاب، عكوف الجيل الأول، لا عكوف التغني بآياته وحياتهم كلها بعيدة عن توجيهاته! .. هو كيد مطرد مصرٌّ لئيم خبيث.. ثمرته النهائية هذه الأوضاع التي يعيش فيها الناس الذين يسمون اليوم بالمسلمين- وما هم بالمسلمين ما لم يحكموا في حياتهم شريعة هذا الدين! - وهذه المحاولات الأخرى في كل مكان للتعفية على آثار هذا الدين ولتدارس قرآن غير قرآنه يرجع إليه في تنظيم الحياة كلها، ويرد إليه كل اختلاف، وكل نزاع في التشريع والتقنين لهذه الحياة كما كان المسلمون يرجعون إلى كتاب الله في هذه الشؤون!!!

(1) يراجع فصل: «جيل متفرد» وفصل: «التصور الإسلامي والثقافة» . في كتاب: «معالم في الطريق» .. «دار الشروق» .
[2] يراجع فصل: «لا إله إلا الله منهج حياة» وفصل: «طبيعة المجتمع الإسلامي» في المصدر السابق..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1423
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست