نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1364
في هذا الدرس تمضي قصة موسى- عليه السلام- في حلقة أخرى.. مع قومه بني إسرائيل بعد إذ أنجاهم الله من عدوهم وأغرق فرعون وملأه ودمر ما كانوا يصنعون وما كانوا يعرشون.. إن موسى- عليه السلام- لا يواجه اليوم طاغوت فرعون وملئه فقد انتهت المعركة مع الطاغوت.. ولكنه يواجه معركة أخرى- لعلها أشد وأقسى وأطول أمداً- إنه يواجه المعركة مع «النفس البشرية!» يواجهها مع رواسب الجاهلية في هذه النفس ويواجهها مع رواسب الذل الذي أفسد طبيعة بني إسرائيل وملأها بالالتواء من ناحية وبالقسوة من ناحية وبالجبن من ناحية وبالضعف عن حمل التبعات من ناحية. وتركها مهلهلة بين هذه النزعات جميعاً.. فليس أفسد للنفس البشرية من الذل والخضوع للطغيان طويلاً ومن الحياة في ظل الإرهاب والخوف والتخفي والالتواء لتفادي الأخطار والعذاب، والحركة في الظلام، مع الذعر الدائم والتوقع الدائم للبلاء! ولقد عاش بنو إسرائيل في هذا العذاب طويلاً عاشوا في ظل الإرهاب وفي ظل الوثنية الفرعونية كذلك.
عاشوا يقتل فرعون أبناءهم ويستحيي نساءهم. فإذا فتر هذا النوع البشع من الإرهاب الوحشي، عاشوا حياة الذل والسخرة والمطاردة على كل حال.
وفسدت نفوسهم وفسدت طبيعتهم والتوت فطرتهم وانحرفت تصوراتهم وامتلأت نفوسهم بالجبن والذل من جانب، وبالحقد والقسوة من الجانب الآخر.. وهما جانبان متلازمان في النفس البشرية حيثما تعرضت طويلاً للإرهاب والطغيان..
لقد كان عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- ينظر بنور الله، فيرى حقيقة تركيب النفس البشرية وطبيعتها وهو يقول لعماله على الأمصار موصياً لهم بالناس: «ولا تضربوا أبشارهم فتذلوهم» .. كان يعلم أن ضرب البشرة يذل الناس. وكان الإسلام في قلبه يريد منه ألا يذل الناس في حكومة الإسلام وفي مملكة الله. فالناس في مملكة الله أعزاء، ويجب أن يكونوا أعزاء وألا يضربهم الحكام فيذلوهم، لأنهم ليسوا عبيداً للحكام..
إنما هم عبيد لله أعزاء على غير الله..
ولقد ضربت أبشار بني إسرائيل في طاغوت الفرعونية حتى ذلوا. بل كان ضرب الأبشار هو أخف ما يتعرضون له من الأذى في فترات الرخاء! ولقد ضربت أبشار المصريين كذلك حتى ذلوا هم الآخرون واستخفهم فرعون! ضربت أبشارهم في عهود الطاغوت الفرعوني ثم ضربت أبشارهم في عهود الطاغوت الروماني..
ولم يستنقذهم من هذا الذل إلا الإسلام، يوم جاءهم بالحرية فأطلقهم من العبودية للبشر بالعبودية لرب البشر..
فلما أن ضرب ابن عمرو بن العاص- فاتح مصر وحاكمها المسلم- ظهر ابن قبطي من أهل مصر- لعل سياط الرومان كانت آثارها على ظهره ما تزال- غضب القبطي لسوط واحد يصيب ابنه- من ابن فاتح مصر وحاكمها- وسافر شهراً على ظهر ناقة، ليشكو إلى عمر بن الخطاب- الخليفة المسلم- هذا السوط الواحد الذي نال ابنه! - وكان هو يصبر على السياط منذ سنوات قلائل في عهد الرومان- وكانت هذه هي معجزة البعث الإسلامي
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1364