نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1303
الله المستقيم وكلما تفرقت بها السبل. تحت ضغط الشهوات، التي يقودها الشيطان من خطامها، محاولاً أن يرضي حقده وأن ينفذ وعيده، وأن يمضي ببني آدم من خطام هذه الشهوات إلى جهنم فإذا الموكب الكريم يواجه البشرية بالهدى، ويلوّح لها بالنور، ويستروح بها ريح الجنة، ويحذرها لفحات السموم، ونزغات الشيطان الرجيم، عدوها القديم..
.. إنه مشهد رائع.. مشهد الصراع العميق، في خضم الحياة، على طول الطريق..
إن التاريخ البشري يمضي في تشابك معقد كل التعقيد.. إن هذا الكائن المزدوج الطبيعة، المعقد التركيب..
الذي يتألف كيانه من أبعد عنصرين تؤلف بينهما قدرة الله وقدره.. عنصر الطين الذي نشأ منه، وعنصر النفخة من روح الله، التي جعلت من هذا الطين إنساناً.. إن هذا الكائن ليمضي في تاريخه مع عوامل متشابكة كل التشابك، معقدة كل التعقيد.. يمضي بطبيعته هذه يتعامل مع تلك الآفاق والعوالم التي أسلفنا في قصة آدم الحديث عنها [1] .. يتعامل مع الحقيقة الإلهية: مشيئتها وقدرها، وقدرتها وجبروتها، ورحمتها وفضلها..
الخ ... ويتعامل مع الملأ الأعلى وملائكته.. ويتعامل مع إبليس وقبيله.. ويتعامل مع هذا الكون المشهود ونواميسه وسنن الله فيه.. ويتعامل مع الأحياء في هذه الأرض.. ويتعامل مع بعضه البعض.. يتعامل مع هذه الآفاق وهذه العوالم بطبيعته تلك، وباستعداداته المتوافقة والمتعارضة مع هذه الآفاق والعوالم..
وفي هذا الخضم المتشابك من العلاقات والروابط، يجري تاريخه.. ومن القوة في كيانه والضعف. ومن التقوى والهدى. ومن الالتقاء بعالم الغيب وعالم الشهود. ومن التعامل مع العناصر المادية في الكون والقوى الروحية، ومن التعامل مع قدر الله في النهاية.. من هذا كله يتكون تاريخه.. وفي ضوء هذا التعقيد الشديد يفسر تاريخه.
والذين يفسرون التاريخ الإنساني تفسيراً «اقتصادياً» أو «سياسياً» . والذين يفسرونه تفسيراً «بيولوجياً» .
والذين يفسرونه تفسيراً «روحياً» أو «نفسياً» . والذين يفسرونه تفسيراً «عقلياً» ... كل أولئك ينظرون نظرة ساذجة إلى جانب واحد من جوانب العوامل المتشابكة، والعوالم المتباعدة، التي يتعامل معها الإنسان ويتألف من تعامله معها تاريخه.. والتفسير الإسلامي للتاريخ هو وحده الذي يلم بهذا الخضم الواسع، ويحيط به وينظر إلى التاريخ الإنساني من خلاله. «2»
ونحن هنا أمام مشاهد صادقة من هذا الخضم.. لقد شهدنا مشهد النشأة البشرية وقد تجمعت في المشهد كل العوالم والآفاق والعناصر- الظاهرة والخفية- التي يتعامل معها هذا الكائن منذ اللحظة الأولى.. ولقد شهدنا هذا الكائن باستعداداته الأساسية.. شهدنا تكريمه في الملأ الأعلى وإسجاد الملائكة له والبارئ العظيم يعلن ميلاده.. وشهدنا ضعفه بعد ذلك وكيف قاده منه عدوه.. وشهدنا مهبطه إلى الأرض.. وانطلاقه في التعامل مع عناصرها ونواميسها الكونية..
ولقد شهدناه يهبط إلى هذه الأرض مؤمناً بربه مستغفراً لذنبه مأخوذاً عليه عهد الخلافة: أن يتبع ما يأتيه من ربه ولا يتبع الشيطان ولا الهوى، مزوداً بتلك التجربة الأولى في حياته..
ثم مضى به الزمن وتقاذفته الأمواج في الخضم وتفاعلت تلك العوامل المعقدة المتشابكة في كيانه ذاته [1] ص 1263- 1265 من هذا الجزء
(2) يراجع فصل: «حقيقة الإنسان» في كتاب: «خصائص التصور الإسلامي ومقوماته» القسم الثاني. «دار الشروق» .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1303