نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1297
ونخلص نحن من هذه المباحث التي لا تضيف شيئاً إلى هدف النص ووجهته. لنرتاد مع النصوص الجميلة تلك الرحلة الموحية في أقطار الكون المنظور، وفي أسراره المكنونة:
«إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ، ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ، يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً، وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ. أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ. تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ» ..
إن الله الذي خلق هذا الكون المشهود في ضخامته وفخامته. والذي استعلى على هذا الكون يدبره بأمره ويصرفه بقدره. يُغشي الليل النهار يطلبه حثيثاً.. في هذه الدورة الدائبة: دورة الليل يطلب النهار في هذا الفلك الدوار. والذي جعل الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره.. إن الله الخالق المهيمن المصرف المدبر، هو «ربكم» .. هو الذي يستحق أن يكون رباً لكم. يربيكم بمنهجه، ويجمعكم بنظامه، ويشرع لكم بإذنه، ويقضي بينكم بحكمه.. إنه هو صاحب الخلق والأمر.. وكما أنه لا خالق معه. فكذلك لا آمر معه..
هذه هي القضية التي يستهدفها هذا الاستعراض.. قضية الألوهية والربوبية والحاكمية، وإفراد الله سبحانه بها.. وهي قضية العبودية من البشر في شريعة حياتهم. فهذا هو الموضوع الذي يواجهه سياق السورة ممثلاً في مسائل اللباس والطعام. كما كان سياق سورة الأنعام يواجهه كذلك في مسائل الأنعام والزروع والشعائر والنذور.
ولا ينسينا الهدف العظيم الذي يستهدفه السياق القرآني بهذا الاستعراض، أن نقف لحظات أمام روعة المشاهد وحيويتها وحركتها وإيحاءاتها العجيبة. فهي من هذه الوجهة كفء للهدف العظيم الذي تتوخاه..
إن دورة التصور والشعور مع دورة الليل والنهار في هذا الفلك الدوار، والليل يطلب النهار حثيثاً، ويريده مجتهداً! لهي دورة لا يملك الوجدان ألا يتابعها وألا يدور معها! وألا يرقب هذا السياق الجبار بين الليل والنهار، بقلب مرتعش ونفس لاهث! وكله حركة وتوفز، وكله تطلع وانتظار! إن جمال الحركة وحيويتها و «تشخيص» الليل والنهار في سمت الشخص الواعي ذي الإرادة والقصد..
إن هذا كله مستوى من جمال التصوير والتعبير لا يرقى إليه فنّ بشري على الإطلاق! إن الألفة التي تقتل الكون ومشاهده في الحس وتطبع النظرة إليه بطابع البلادة والغفلة.. إن هذه الألفة لتتوارى، ليحل محلها وقع المشهد الجديد الرائع الذي يطالع الفطرة كأنما لأول وهلة! .. إن الليل والنهار في هذا التعبير ليسا مجرد ظاهرتين طبيعيتين مكرورتين. وإنما هما حيان ذوا حس وروح وقصد واتجاه. يعاطفان البشر ويشاركانهم حركة الحياة وحركة الصراع والمنافسة والسباق التي تطبع الحياة! كذلك هذه الشمس والقمر والنجوم.. إنها كائنات حية ذات روح! إنها تتلقى أمر الله وتنفذه، وتخضع له وتسير وفقه. إنها مسخرة، تتلقى وتستجيب، وتمضي حيث أمرت كما يمضي الأحياء في طاعة الله! ومن هنا يهتز الضمير البشري وينساق للاستجابة، في موكب الأحياء المستجيبة. ومن هنا هذا السلطان للقرآن الذي ليس لكلام البشر.. إنه يخاطب فطرة الإنسان بهذا السلطان المستمد من قائله- سبحانه- الخبير بمداخل القلوب وأسرار الفطر..
وعند ما يصل السياق إلى هذا المقطع، وقد ارتعش الوجدان البشري لمشاهد الكون الحية. التي كان يمر عليها في بلادة وغفلة. وقد تجلى له خضوع هذه الخلائق الهائلة وعبوديتها لسلطان الخالق وأمره.. عندئذ
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1297