نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1293
الطريق العوجاء ولا يريدون الطريق المستقيم. يريدون العوج ولا يريدون الاستقامة. فالاستقامة لها صورة واحدة: صورة المضي على طريق الله ونهجه وشرعه. وكل ما عداه فهو أعوج وهو إرادة للعوج. وهذه الإرادة تلتقي مع الكفر بالآخرة. فما يؤمن بالآخرة أحد، ويستيقن أنه راجع إلى ربه ثم يصد عن سبيل الله، ويحيد عن نهجه وشرعه.. وهذا هو التصوير الحقيقي لطبيعة النفوس التي تتبع شرعاً غير شرع الله. التصوير الذي يجلو حقيقة هذه النفوس ويصفها الوصف الداخلي الصحيح.
ثم يتوجه النظر إلى المشهد من ظاهره. فإذا هنا لك حاجز يفصل بين الجنة والنار عليه رجال يعرفون أصحاب الجنة وأصحاب النار بسيماهم وعلاماتهم.. فلننظر من هؤلاء، وما شأنهم مع أصحاب الجنة وأصحاب النار؟
«وَبَيْنَهُما حِجابٌ، وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ. وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ: أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ.. لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ، قالُوا: ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ. أَهؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ؟ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ» ..
روي أن هؤلاء الرجال الذين يقفون على الأعراف- الحجاب الحاجز بين الجنة والنار- جماعة من البشر، تعادلت حسناتهم وسيئاتهم، فلم تصل بهم تلك إلى الجنة مع أصحاب الجنة، ولم تؤد بهم هذه إلى النار مع أصحاب النار.. وهم بين بين، ينتظرون فضل الله ويرجون رحمته.. وهم يعرفون أهل الجنة بسيماهم- ربما ببياض الوجوه ونضرتها أو بالنور الذي يسعى بين أيديهم وبأيمانهم- ويعرفون أهل النار بسيماهم- ربما بسواد الوجوه وقترتها، أو بالوسم الذي على أنوفهم التي كانوا يشمخون بها في الدنيا، كالذي جاء في سورة القلم:
«سنسمه على الخرطوم» ! وهما هم أولاء يتوجهون إلى أهل الجنة بالسلام.. يقولونها وهم يطمعون أن يدخلهم الله الجنة معهم! .. فإذا وقعت أبصارهم على أصحاب النار- وكأنما يصرفون إليهم صرفاً لا عن إرادة منهم- استعاذوا بالله أن يكون مصيرهم معهم! «وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ. وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ: أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ.. لَمْ يَدْخُلُوها وَهُمْ يَطْمَعُونَ.. وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ» ..
ثم يبصرون برجال من كبار المجرمين معروفين لهم بسيماهم. فيتجهون إليهم بالتبكيت والتأنيب:
«وَنادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ، قالُوا: ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ» ! فها أنتم هؤلاء في النار، لا جمعكم نفعكم، ولا استكباركم أغنى عنكم! ثم يذكرونهم بما كانوا يقولونه عن المؤمنين في الدنيا من أنهم ضالون، لا ينالهم الله برحمة:
«أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة!» ! انظروا الآن أين هم؟ وماذا قيل لهم:
«ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ» ..
وأخيراً. ها نحن أولاء نسمع صوتاً آتياً من قبل النار، ملؤه الرجاء والاستجداء:
«وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ: أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ» !
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1293