نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1291
«إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ، وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ، وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ. لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ، وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ» ..
ودونك فقف بتصورك ما تشاء أمام هذا المشهد العجيب.. مشهد الجمل تجاه ثقب الإبرة. فحين يفتح ذلك الثقب الصغير لمرور الجمل الكبير، فانتظر حينئذ- وحينئذ فقط- أن تفتح أبواب السماء لهؤلاء المكذبين، فتقبل دعاءهم أو توبتهم- وقد فات الأوان- وأن يدخلوا إلى جنات النعيم! أما الآن، وإلى أن يلج الجمل في سم الخياط، فهم هنا في النار، التي تداركوا فيها جميعاً وتلاحقوا وتلاوموا فيها وتلاعنوا، وطلب بعضهم لبعض سوء الجزاء، ونالوا جميعاً ما طلبه الأولياء للأولياء! «وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ» ..
ثم إليك هيئتهم في النار:
«لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ، وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ» ..
فلهم من نار جهنم من تحتهم فراش، يدعوه- للسخرية- مهاداً، وما هو مهد ولا لين ولا مريح! - ولهم من نار جهنم أغطية تغشاهم من فوقهم! «وَكَذلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ» ..
والظالمون هم المجرمون. والظالمون هم المشركون المكذبون بآيات الله، المفترون الكذب على الله.. كلها أوصاف مترادفة في تعبير القرآن.
والآن فلننظر إلى المشهد المقابل:
«وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ- لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها- أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ، تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ، وَقالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا- وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ- لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ. وَنُودُوا: أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ» ..
هؤلاء هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات قدر استطاعتهم، لا يكلفون إلا طاقتهم.. هؤلاء هم يعودون إلى جنتهم! إنهم أصحابها- بإذن الله وفضله- ورثها لهم- برحمته- بعملهم الصالح مع الإيمان.. جزاء ما اتبعوا رسل الله وعصوا الشيطان. وجزاء ما أطاعوا أمر الله العظيم الرحيم، وعصوا وسوسة العدو اللئيم القديم! ولولا رحمة الله ما كفى عملهم- في حدود طاقتهم- وقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- «لن يدخل أحداً منكم الجنة عمله» . قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» [1] . وليس هنا لك تناقض ولا اختلاف بين قول الله سبحانه في هذا الشأن، وقول رسوله- صلى الله عليه وسلم- وهو لا ينطق عن الهوى.. وكل ما ثار من الجدل حول هذه القضية بين الفرق الإسلامية لم يقم على الفهم الصحيح لهذا الدين، إنما ثار عن الهوى! فلقد علم الله من بني آدم ضعفهم وعجزهم وقصورهم عن أن تفي أعمالهم بحق الجنة. ولا بحق نعمة واحدة من نعمه عليهم في الدنيا. فكتب على نفسه الرحمة وقبل منهم جهد المقل القاصر الضعيف وكتب لهم به الجنة، فضلاً منه ورحمة، فاستحقوها بعملهم ولكن بهذه الرحمة..
وبعد، فإذا كان أولئك المفترون المكذبون المجرمون الظالمون الكافرون المشركون يتلاعنون في النار [1] أخرجه مسلم.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1291