نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1288
«يا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي: فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» .
هذا هو عهد الله لآدم وبنيه، وهذا هو شرطه في الخلافة عنه- سبحانه- في أرضه التي خلقها وقدر فيها أقواتها، واستخلف فيها هذا الجنس، ومكنه فيها، ليؤدي دوره وفق هذا الشرط وذلك العهد وإلا فإن عمله ردٌّ في الدنيا لا يقبله ولا يمضيه مسلم لله وهو في الآخرة وزر جزاؤه جهنم لا يقبل الله من أصحابه صرفاً ولا عدلاً.
«فَمَنِ اتَّقى وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ» .
لأن التقوى تنأى بهم عن الآثام والفواحش- وأفحش الفواحش الشرك بالله واغتصاب سلطانه وادعاء خصائص ألوهيته- وتقودهم إلى الطيبات والطاعات وتنتهي بهم إلى الأمن من الخوف والرضى عن المصير.
«وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْها، أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ» .. لأن التكذيب والاستكبار عن الاستسلام لعهد الله وشرطه يلحق المستكبرين بوليهم إبليس في النار حيث يحق وعد الله:
«لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ» ..
ومن هنا يأخذ السياق في عرض مشهد الاحتضار- عند نهاية الأجل المشار إليه في نهاية الجولة الماضية:
«وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ» .. ثم مشهد الحشر والحساب. ومشهد الفصل والجزاء.. كأنها تفصيل لذلك الإجمال عن شأن المتقين والمستكبرين وتصوير لحال المتقين وحال المستكبرين بعد الأجل المعلوم. تصوير على طريقة القرآن الفريدة التي تستحضر المشهد حياً متحركاً يراه قارئ القرآن وسامعه ويشهده، بكل كينونته.
لقد عني المنهج القرآني بمشاهد القيامة.. البعث والحساب، والنعيم والعذاب.. عناية واضحة. فلم يعد ذلك العالم الذي وعده الله الناس، بعد هذا العالم الحاضر، موصوفاً فحسب، بل عاد مصوراً محسوساً، وحياً متحركاً، وبارزاً شاخصاً.. وعاش المسلمون في ذلك العالم عيشة كاملة. رأوا مشاهده وتأثروا بها، وخفقت قلوبهم تارة، واقشعرت جلودهم تارة، وسرى في نفوسهم الفزع مرة، وعاودهم الاطمئنان أخرى، ولاح لهم من بعيد لفح النار، ورفت إليهم من الجنة أنسام! ومن ثم باتوا يعرفون ذلك العالم تمام المعرفة قبل اليوم الموعود.. والذي يراجع كلماتهم ومشاعرهم عن ذلك العالم يحس أنهم كانوا يعيشون فيه عيشة أعمق وأصدق من حياتهم في هذه الدار الدنيا وكانوا ينتقلون بحسهم كله إليه، كما ينتقل الإنسان من دار إلى دار، ومن أرض إلى أرض، في هذه الحياة المشهودة المحسوسة.. ولم يكن ذلك العالم مستقبلاً موعوداً في حسهم، وإنما كان واقعاً مشهوداً..
وربما كانت هذه المشاهد- المعروضة هنا- أطول مشاهد القيامة في القرآن، وأحفلها بالحركة، وبالمناظر المتتابعة، وبالحوار المتنوع، في حيوية فائضة يعجب الإنسان كيف تنقلها الألفاظ، حيث لا ينقلها للحس هكذا إلا المشاهدة! وهي تجيء في السورة- كما أسلفنا- تعقيباً على قصة آدم، وخروجه من الجنة هو وزوجه بإغواء الشيطان لهما، وتحذير الله لبني آدم أن يفتنهم الشيطان كما أخرج أبويهم من الجنة، وتحذيرهم من اتباع عدوهم
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1288