نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1278
والقصة تذكر في مواضع أخرى من القرآن، في سور أخرى، لمواجهة حالات أخرى، فتذكر منها مواقف ومشاهد، وتذكر بعدها تقريرات وتعقيبات تواجه هذه الحالات الأخرى.. وكله حق.. ولكن تفصيل القرآن لمواجهة الواقع البشري هو الذي يقتضي هذا الاختيار والتناسق. بين حلقات القصص المعروض في كل معرض، وطبيعة الجو والموضوع في كل معرض [1] .
«يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً. وَلِباسُ التَّقْوى، ذلِكَ خَيْرٌ، ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ» ..
هذا النداء يجيء في ظل المشهد الذي سبق عرضه من القصة.. مشهد العري وتكشف السوآت والخصف من ورق الجنة.. لقد كان هذا ثمرة للخطيئة.. والخطيئة كانت في معصية أمر الله، وتناول المحظور الذي نهى عنه الله.. وليست هي الخطيئة التي تتحدث عنها أساطير (الكتاب المقدس!) والتي تعج بها التصورات الفنية الغربية المستقاة من تلك الأساطير ومن إيحاءات «فرويد» المسمومة.. لم تكن هي الأكل من «شجرة المعرفة» - كما تقول أساطير العهد القديم. وغيرة الله- سبحانه وتعالى- من «الإنسان» وخوفه- تعالى عن وصفهم علواً كبيراً- من أن يأكل من شجرة الحياة أيضاً فيصبح كواحد من الآلهة! كما تزعم تلك الأساطير [2] .
ولم تكن كذلك هي المباشرة الجنسية كما تطوف خيالات الفن الأوربي دائماً حول مستنقع الوحل الجنسي، لتفسر به كل نشاط الحياة كما علمهم فرويد اليهودي! ..
وفي مواجهة مشهد العري الذي أعقب الخطيئة ومواجهة العري الذي كان يزاوله المشركون في الجاهلية يذكر السياق في هذا النداء نعمة الله على البشر وقد علمهم ويسر لهم، وشرع لهم كذلك، اللباس الذي يستر العورات المكشوفة، ثم يكون زينة- بهذا الستر- وجمالاً، بدل قبح العري وشناعته- ولذلك يقول:
«أنزلنا» أي: شرعنا لكم في التنزيل. واللباس قد يطلق على ما يواري السوأة وهو اللباس الداخلي. والرياش قد يطلق على ما يستر الجسم كله ويتجمل به، وهو ظاهر الثياب. كما قد يطلق الرياش على العيش الرغد والنعمة والمال.. وهي كلها معان متداخلة ومتلازمة:
«يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً» ..
كذلك يذكر هنا «لباس التقوى» ويصفه بأنه «خير» :
«وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ. ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ.» ..
قال عبد الرحمن بن أسلم: (يتقي الله فيواري عورته، فذاك لباس التقوى) ..
فهناك تلازم بين شرع الله اللباس لستر العورات والزينة، وبين التقوى.. كلاهما لباس. هذا يستر عورات القلب ويزينه. وذاك يستر عورات الجسم ويزينه. وهما متلازمان. فعن شعور التقوى لله والحياء منه ينبثق الشعور باستقباح عري الجسد والحياء منه. ومن لا يستحي من الله ولا يتقيه لا يهمه أن يتعرى وأن يدعو إلى العري.. العري من الحياء والتقوى، والعري من اللباس وكشف السوأة! إن ستر الجسد حياء ليس مجرد اصطلاح وعرف بيئي- كما تزعم الأبواق المسلطة على حياء الناس وعفتهم [1] يراجع فصل: «القصة في القرآن» في كتاب: «التصوير الفني في القرآن» .. «دار الشروق» . [2] يراجع فصل: «تيه وركام» في القسم الأول من كتاب: «خصائص التصور الإسلامي ومقوماته» . «دار الشروق» .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1278