responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1273
المقدرة على الظلم والجهل! .. فهذا الازدواج ذاته هو ميزته التي تفرده.
كل أولئك يلغي تلك النظرة للإنسان القائمة على صغر حجم الكوكب الذي يعيش عليه بالقياس إلى أحجام الكون الهائلة. فالحجم ليس هو كل شيء. وخصيصة العقل القابل للمعرفة، والإرادة القابلة للاستقلال- في حدود العبودية لله- والاختيار والترجيح الذاتي.. كل أولئك يفوق في قيمته، الحجم الذي يقيم عليه سير جيمس جينز وأمثاله نظرتهم إلى قيمة الإنسان ودوره.
هذه الأهمية التي تخلعها القصة ومجموع النصوص القرآنية على هذا الكائن الإنساني لا تقتصر على دوره في خلافة الأرض، بهذه الخصائص المتفردة ولكن صورتها تكمل بتأمل الآفاق والمجالات التي يتحرك فيها، والعوالم التي يتعامل معها.
إنه يتعامل تعاملاً مباشراً مع ربه الجليل سبحانه! هو الذي أنشأه بيده، وأعلن ميلاده في الملأ الأعلى وفي الوجود كله بنطقه، وخوله الجنة يأكل منها حيث يشاء- إلا الشجرة المحظورة- ثم خوله خلافة الأرض بعد ذلك بأمره وعلمه أساس المعرفة- كما في آية البقرة «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» - وهو ما نرجح أنه القدرة على الرمز باللفظ والاسم للمدلول والمسمى، وهو القاعدة التي يقوم عليها إمكان تبادل المعرفة وتعميمها في الجنس كله- كما قلنا في سورة البقرة [1] - وأوصاه وصيته في الجنة وبعدها، وأودعه الاستعدادات الخاصة التي تفرد جنسه بخصائصه، وأرسل له الرسل- منه- بهداه وكتب على نفسه الرحمة أن يقيل عثرته ويقبل توبته.. إلى آخر نعمة الله على هذا الكائن المتفرد في الكون كله.
ثم هو يتعامل مع الملأ الأعلى.. أسجد الله له الملائكة، وجعل منهم حفظة عليه، كما جعل منهم من يبلغ الرسل وحيه، وأنزلهم على الذين قالوا: ربنا الله ثم استقاموا يثبتونهم ويبشرونهم، وعلى المجاهدين في سبيل الله ينصرونهم ويبشرونهم كذلك، وسلطهم على الذين كفروا يقتلونهم ويستلون أرواحهم منهم في تأنيب وتعذيب.. إلى آخر ما بين الملائكة والإنسان من تعامل. في الدنيا وفي الآخرة كذلك.
ويتعامل مع الجن: صالحيهم وشياطينهم.. وقد شهدنا منذ لحظات تشخيص المعركة الأولى بينه وبين الشيطان. وهي معركة ممتدة إلى يوم الوقت المعلوم. كما أن تعامله مع صالحي الجن مذكور في نصوص قرآنية أخرى. وتسخير الجن أحياناً له ثابت كما في قصة سليمان عليه السلام.
كذلك هو يتعامل مع هذا الكون المادي- وبخاصة الأرض والكواكب والنجوم القريبة منها- وهو الخليفة في هذه الأرض عن الله المسخرة له قواها وطاقاتها وأرزاقها ومدخراتها، وعنده الاستعداد اللدني لفتح بعض مغاليق أسرارها، والتعرف إلى بعض نواميسها التي تعينه معرفتها على أداء دوره العظيم.. ومن ثم يتعامل كذلك مع جميع الأحياء فيها.. وأخيراً فإنه بازدواج طبيعته واستعداداته يتحرك في مجال بعيد الآماد من نفسه ذاتها! إنه يعرج إلى السماوات العلى ويتجاوز مراتب الملائكة، حين يخلص عبوديته لله ويترقى فيها إلى منتهاها. كما أنه يهبط إلى ما دون مستوى البهيمة حين يتخذ إلهه هواه ويتخلى عن خصائص «إنسانيته» ويتمرغ في الوحل الحيواني.. وبين هذين المجالين أبعاد أضخم مما بين السماوات والأرض في عالم الحس وأبعد مدى! وليس هذا كله لغير الإنسان كما تلهمه هذه القصة وبقية النصوص الأخرى..

[1] الجزء الأول ص 57.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1273
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست