نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1257
صورة من صوره هو الإله المتحكم، ورفض أن تكون «شريعة الله» هي القانون المحكم.. ثم تختلف أشكالها ومظاهرها، وراياتها وشاراتها، وأسماؤها وأوصافها، وشيعها ومذاهبها.. غير أنها كلها تعود إلى هذه القاعدة المميزة المحددة لطبيعتها وحقيقتها..
وبهذا المقياس الأساسي يتضح أن وجه الأرض اليوم تغمره الجاهلية. وأن حياة البشرية اليوم تحكمها الجاهلية. وأن الإسلام اليوم متوقف عن «الوجود» مجرد الوجود! وأن الدعاة إليه اليوم يستهدفون ما كان يستهدفه محمد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تماما ويواجهون ما كان يواجهه- صلى الله عليه وسلم- تماماً، وأنهم مدعوون إلى التأسي به في قول الله- سبحانه- له:
«كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ، لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ» ..
ولتوكيد هذه الحقيقة وجلائها نستطرد إلى شيء قليل من التفصيل:
إن المجتمعات البشرية اليوم- بجملتها- مجتمعات جاهلية. وهي من ثم مجتمعات «متخلفة» أو «رجعية» ! بمعنى أنها «رجعت» إلى الجاهلية، بعد أَن أخذ الإسلام بيدها فاستنقذها منها. والإسلام اليوم مدعو لاستنقاذها من التخلف والرجعية الجاهلية، وقيادتها في طريق التقدم و «الحضارة» بقيمها وموازينها الربانية.
إنه حين تكون الحاكمية العليا لله وحده في مجتمع- متمثلة في سيادة شريعته الربانية- تكون هذه هي الصورة الوحيدة التي يتحرر فيها البشر تحرراً حقيقياً كاملاً من العبودية للهوى البشري ومن العبودية للعبيد.
وتكون هذه هي الصورة الوحيدة للإسلام أو للحضارة- كما هي في ميزان الله- لأن الحضارة التي يريدها الله للناس تقوم على قاعدة أساسية من الكرامة والتحرر لكل فرد. ولا كرامة ولا تحرر مع العبودية لعبد..
لا كرامة ولا تحرر في مجتمع بعضه أرباب يشرعون ويزاولون حق الحاكمية العليا وبعضهم عبيد يخضعون ويتبعون هؤلاء الأرباب! والتشريع لا ينحصر في الأحكام القانونية. فالقيم والموازين والأخلاق والتقاليد..
كلها تشريع يخضع الأفراد لضغطه شاعرين أو غير شاعرين! .. ومجتمع هذه صفته هو مجتمع رجعي متخلف..
أو بالاصطلاح الإسلامي: «مجتمع جاهلي مشرك» ! وحين تكون آصرة التجمع في مجتمع هي العقيدة والتصور والفكر ومنهج الحياة. ويكون هذا كله صادراً من الله، لا من هوى فرد، ولا من إرادة عبد. فإن هذا المجتمع يكون مجتمعاً متحضراً متقدماً. أَو بالاصطلاح الإسلامي: مجتمعاً ربانياً مسلماً.. لأن التجمع حينئذ يكون ممثلاً لأعلى ما في «الإنسان» من خصائص- خصائص الروح والفكر- فأما حين تكون آصرة التجمع هي الجنس واللون والقوم والأرض ... وما إلى ذلك من الروابط.. فإنه يكون مجتمعا رجعيا متخلفا.. أو بالاصطلاح الإسلامي: مجتمعا جاهلياً مشركاً..
ذلك أن الجنس واللون والقوم والأرض ... وما إلى ذلك من الروابط لا تمثل الحقيقة العليا في «الإنسان» .
فالإنسان يبقى إنساناً بعد الجنس واللون والقوم والأرض. ولكنه لا يبقى إنساناً بعد الروح والفكر! ثم هو يملك بإرادته الإنسانية الحرة- وهي أسمى ما أكرمه الله به- أن يغير عقيدته وتصوره وفكره ومنهج حياته من ضلال إلى هدى عن طريق الإدراك والفهم والاقتناع والاتجاه. ولكنه لا يملك أبداً أن يغير جنسه، ولا لونه، ولا قومه. لا يملك أن يحدد سلفاً مولده في جنس ولا لون كما لا يمكنه أن يحدد سلفا مولده في قوم أو أرض.. فالمجتمع الذي يتجمع فيه الناس على أمر يتعلق بإرادتهم الحرة هو بدون شك أرقى وأمثل وأقوم من المجتمع الذي يتجمع فيه الناس على أمور خارجة عن إرادتهم ولا يد لهم فيها! وحين تكون «إنسانية الإنسان» هي القيمة العليا في مجتمع وتكون «الخصائص الإنسانية» فيه موضع
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1257