نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1255
وإلا من يعاني من الصدع به هذه المعاناة وإلا من يستهدف من التغيير الكامل الشامل في قواعد الحياة البشرية وجذورها، وفي مظاهرها وفروعها، ما كان يستهدفه حامل هذا الكتاب أول مرة- صلى الله عليه وسلم- ليواجه به الجاهلية الطاغية في الجزيرة العربية وفي الأرض كلها..
وهذا الموقف ليس مقصوراً على ما كان في الجزيرة العربية يومذاك، وما كان في الأرض من حولها..
إن الإسلام ليس حادثاً تاريخياً، وقع مرة، ثم مضى التاريخ وخلفه وراءه! .. إن الإسلام مواجهة دائمة لهذه البشرية إلى يوم القيامة.. وهو يواجهها كما واجهها أول مرة، كلما انحرفت هي وارتدت إلى مثل ما كانت فيه أول مرة! .. إن البشرية تنتكس بين فترة وأخرى وترجع إلى جاهليتها- وهذه هي «الرجعية» البائسة المرذولة- وعندئذ يتقدم الإسلام مرة أخرى ليؤدي دوره في انتشالها من هذه «الرجعية» مرة أخرى كذلك والأخذ بيدها في طريق التقدم والحضارة ويتعرض حامل دعوته والمنذر بكتابه للحرج الذي تعرض له الداعية الأول- صلى الله عليه وسلم- وهو يواجه البشرية بغير ما استكانت إليه من الارتكاس في وحل الجاهلية والغيبوبة في ظلامها الطاغي! ظلام التصورات. وظلام الشهوات. وظلام الطغيان والذل. وظلام العبودية للهوى الذاتي ولأهواء العبيد أيضاً! ويتذوق من يتعرض لمثل هذا الحرج، وهو يتحرك لاستنقاذ البشرية من مستنقع الجاهلية، طعم هذا التوجيه الإلهي للنبي صلى الله عليه وسلم:
«كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ، لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ» ..
ويعلم- من طبيعة الواقع- من هم المؤمنون الذين لهم الذكرى، ومن هم غير المؤمنين الذين لهم الإنذار.
ويعود هذا القرآن عنده كتابا حيا يتنزل اللحظة، في مواجهة واقع يجاهده هو بهذا القرآن جهاداً كبيراً..
والبشرية اليوم في موقف كهذا الذي كانت فيه يوم جاءها محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الكتاب، مأموراً من ربه أن ينذر به ويذكر وألا يكون في صدره حرج منه، وهو يواجه الجاهلية، ويستهدف تغييرها من الجذور والأعماق..
لقد استدار الزمان كهيئته يوم جاءها هذا الدين، وانتكست البشرية إلى جاهلية كاملة شاملة للأصول والفروع والبواطن والظواهر، والسطوح والأعماق! انتكست البشرية في تصوراتها الاعتقادية ابتداء- حتى الذين كان آباؤهم وأجدادهم من المؤمنين بهذا الدين، المسلمين لله المخلصين له الدين- فإن صورة العقيدة قد مسخت في تصورهم ومفهومهم لها في الأعماق..
لقد جاء هذا الدين ليغير وجه العالم، وليقيم عالماً آخر، يقر فيه سلطان الله وحده، ويبطل سلطان الطواغيت.
عالماً يعبد فيه الله وحده- بمعنى «العبادة» الشامل [1] - ولا يعبد معه أحد من العبيد. عالماً يخرج الله فيه- من شاء- من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده. عالماً يولد فيه «الإنسان» الحر الكريم النظيف.. المتحرر من شهوته وهواه، تحرره من العبودية لغير الله.
جاء هذا الدين ليقيم قاعدة: «أشهد أن لا إله إلا الله» التي جاء بها كل نبي إلى قومه على مدار التاريخ البشري- كما تقرر هذه السورة وغيرها من سور القرآن الكريم- وشهادة أن لا إله إلا الله ليس لها مدلول [1] يراجع فصل «العبادة» في كتاب: «المصطلحات الأربعة في القرآن» للمسلم العظيم السيد أبو الأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية بباكستان.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1255