نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1251
بعد ذلك يعرض السياق قصة موسى مع فرعون وملئه، ومع قومه بني إسرائيل: وتستغرق القصة أكبر مساحة استغرقتها في سورة قرآنية وتعرض منها حلقات شتى ويقف السياق عند بعض الحلقات للتعقيب كما يقف في نهايتها لتعقيب طويل حتى نهاية السورة.
ولقد وردت حلقات من قصة موسى- عليه السلام- قبل ذلك- حسب ترتيب النزول- في سور:
المزمل، والفجر، وق، والقمر.. وكلها إشارات قصيرة. وهذه أول سورة بعد تلك السور تجيء فيها هذه الحلقات الطويلة، في هذه المساحة العريضة..
وقد شملت حلقة مواجهة فرعون بحقيقة العقيدة. وحلقة التحدي والسحرة- وهما كثيرتا الورود في السور الأخرى- وحلقة أخذ آل فرعون بالسنين والآفات وإرسال الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم- التي لم تفصل إلا في هذه السورة- وحلقة إغراق فرعون والملأ من قومه.. ثم استمر السياق مع بني إسرائيل.
وطلبهم من موسى أن يجعل لهم إلها- صنما- كالقوم الذين مروا عليهم بعد نجاتهم من فرعون وتجاوزهم للبحر! وحلقة ميقاته مع ربه وطلبه رؤيته ودك الجبل وصعقه وتنزيل الألواح عليه. وحلقة اتخاذ قومه للعجل في غيبته. وحلقة الميقات الثاني مع السبعين من قوم موسى وأخذ الصاعقة لهم حين قالوا: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة. وحلقة عصيانهم في دخول القرية وفي صيد السمك يوم السبت! وحلقة نتق الجبل فوقهم كأنه ظلة.. وكلها معروضة بتفصيل واسع، مما جعل القصة تستغرق حزبا كاملا من السورة.
وفي موقف من مواقف القصة يدخل السياق الرسالة النبوية الأخيرة ويصف طبيعتها وحقيقتها. وذلك عند ما دعا موسى- عليه السلام- ربه في شأن من صعقوا من قومه واستنزل رحمته- سبحانه- على هذا النحو الذي يتداخل فيه القصص لتأدية غرض المعركة التي يخوضها القرآن فعلا:
«وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقاتِنا، فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ، قالَ: رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ، أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا؟ إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ، أَنْتَ وَلِيُّنا، فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ. وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ، إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ. قالَ: عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ، وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ. وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ، يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ، وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ. فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ، وَنَصَرُوهُ، وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ، أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» .
وفي ظل هذا النبأ الصادق من الله، والوعد السابق برسالة النبي الأمي، يأمر الله النبي أن يعلن طبيعة رسالته، وحقيقة دعوته، وحقيقة ربه الذي أرسله، والأصل الاعتقادي الواحد الذي جاء به الرسل جميعاً من قبله:
«قُلْ: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِماتِهِ، وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» ..
ثم تواصل القصة سيرها بعد هذه الوقفة، إلى موقف العهد ونتق الجبل وأخذ الميثاق. وفي ظل مشهد الميثاق والعهد على بني إسرائيل يذكر العهد المأخوذ على فطرة البشر أجمعين:
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1251