نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1245
بدأكم تعودون. فريقاً هدى وفريقاً حق عليهم الضلالة، إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله، ويحسبون أنهم مهتدون» ..
وبين الغدو والرواح تعرض معارك الحق والباطل. معارك الهدى والضلال. معارك الرهط الكريم من الرسل والموكب الكريم من المؤمنين، مع الملأ المستكبرين والأتباع المستخفين. ويعرض الصراع المتكرر والمصائر المتشابهة. وتتجلى صحائف الإيمان في إشراقها ووضاءتها وصحائف الضلال في انطماسها وعتامتها. وتعرض مصارع المكذبين بين الحين والحين. حيث يقف السياق عليها للتذكير والتحذير.. وهذه الوقفات تجيء وفق نظام ملحوظ في سياق السورة. فبعد كل مرحلة هامة يبدو كما لو كان السياق يتوقف عندها ليقول كلمة! كلمة تعقيب. للإنذار والتذكير.. ثم يمضي.
إنها قصة البشرية بجملتها في رحلتها ذهابا وإيابا. تتمثل فيها حركة هذه العقيدة في تاريخ البشرية، ونتائج هذه الحركة في مداها المتطاول.. حتى تنتهي إلى غايتها الأخيرة في نقطة المنطلق الأولى.. وهي وجهة أخرى في عرض موضوع العقيدة غير وجهة سورة الأنعام- وإن تلاقت السورتان أحيانا في عرض مشاهد المكذبين وعرض مشاهد القيامة ومشاهد الوجود- وهو مجال آخر للعرض غير مجال الأنعام، واضح التميز، مختلف الحدود.
ذلك إلى طبيعة التعبير في السورتين. فالتعبير في كل سورة يناسب منهجها في عرض الموضوع. وبينما يمضي السياق في الأنعام في موجات متدافعة وبينما تبلغ المشاهد دائما درجة اللألاء والتوهج والالتماع، وتبلغ الإيقاعات درجة الرنين والسرعة القاصفة والاندفاع.. إذا السياق في الأعراف يمضي هادئ الخطو، سهل الإيقاع، تقريري الأسلوب. وكأنما هو الوصف المصاحب للقافلة في سيرها المديد، خطوة خطوة، ومرحلة مرحلة، حتى تؤوب! وقد يشتد الإيقاع أحيانا في مواقف التعقيب ولكنه سرعان ما يعود إلى الخطو الوئيد الرتيب! .. وهما- بعد- سورتان مكيتان من القرآن..!!!
ولعله يحسن هنا أن نستعرض منهج السورة في معالجة موضوع العقيدة في صورة حركة لهذه العقيدة في تيار التاريخ البشري..
إن السورة لا تعرض قصة هذه العقيدة في التاريخ البشري، ولا تعرض رحلة البشرية منذ نشأتها الأولى إلى عودتها الأخيرة.. مجرد عرض في أسلوب قصصي.. إنما هي تعرضها في صورة معركة مع الجاهلية..
ومن ثم فإنها تعرضها في مشاهد ومواقف وتواجه بهذه المشاهد والمواقف ناسا أحياء كانوا يواجهون هذا القرآن فيواجههم هذا القرآن بتلك القصة الطويلة ويخاطبهم بما فيها من عبر مذكرا ومنذرا ويخوض معهم معركة حقيقية حية.. ومن ثم تجيء التعقيبات في السياق عقب كل مرحلة أساسية موجهة لأولئك الأحياء الذين كان القرآن يخوض معهم المعركة وموجهة كذلك إلى أمثالهم ممن يتخذون موقفهم على مدار التاريخ.
إن القرآن لا يقص قصة إلا ليواجه بها حالة. ولا يقرر حقيقة إلا ليغير بها باطلا.. إنه يتحرك حركة واقعية حية في وسط واقعي حي. إنه لا يقرر حقائقه للنظر المجرد، ولا يقص قصصه لمجرد المتاع الفني!
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1245