نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1237
وجدية الآخرة، وفردية التبعة والابتلاء في دار الدنيا. وسلطان الله المتمثل في ربوبيته لكل شيء وفي استخلافه للعباد في ملكه كيف شاء بلا شريك ولا معقب.. كما ترسم تلك التسبيحة المديدة صورة باهرة لحقيقة الألوهية، وهي تتجلى في أخلص قلب، وأصفى قلب، وأطهر قلب.. قلب رسول الله- صلى الله عليه وسلم-..
وذلك في مستوى من التجلي لا يصوره إلا التعبير القرآني ذاته: «قُلْ: إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. دِيناً قِيَماً مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً، وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ. قُلْ: إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيايَ وَمَماتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ. لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ. قُلْ: أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْها، وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ. وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ، وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ، إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ، وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» ..
ونكتفي هنا بهذا القدر من الحديث المجمل، لنأخذ في مواجهة النصوص بالتفصيل:
«ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ، وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ، وَهُدىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ» ..
هذا الكلام معطوف بثم على ما قبله.. وتأويله: «قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً..» «وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً» .. معطوفة على جملة: ألا تشركوا.. «ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ..»
معطوف عليهما كذلك باعتباره من القول الذي دعاهم ليقوله لهم- صلى الله عليه وسلم- فالسياق مطرد كما أسلفنا.
وقوله «تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ» .. تأويله- كما اختار ابن جرير-: «ثم آتينا موسى التوراة تماما لنعمنا عنده، وأيادينا قبله، تتم به كرامتنا عليه، على إحسانه وطاعته ربه، وقيامه بما كلفه من شرائع دينه، وتبيينا لكل ما بقومه وأتباعه إليه الحاجة من أمر دينهم» ..
وقوله: وتفصيلا لكل شيء. كما قال قتادة: فيه حلاله وحرامه.
وهدى ورحمة لعل قومه يهتدون ويؤمنون بلقاء ربهم فيرحمهم من عذابه..
.. هذا الغرض الذي من أجله آتينا موسى الكتاب، جاء من أجله كتابكم، لعلكم تنالون به الهدى والرحمة:
«وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ، فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» ..
وإنه لكتاب مبارك حقاً- كما فسرنا ذلك من قبل عند ورود هذا النص في السورة أول مرة: «وَهذا كِتابٌ أَنْزَلْناهُ مُبارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها، وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ [1] » .. (الآية: 92) .. وكان ذكر هذا الكتاب هناك بمناسبة الحديث عن العقيدة في مجالها الشامل وهو هنا يذكر بمناسبة الحديث عن الشريعة بنص مقارب! ويؤمرون باتباعه وتناط رحمتهم من الله بهذا الاتباع. والكلام هنا بجملته في معرض الشريعة، بعد ما تناولته أوائل السورة في معرض العقيدة. [1] الجزء السابع ص 1147.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1237