نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1232
فيها كل هذا الفساد [1] . والمجتمع الذي تشيع فيه المقاتل والثارات، مجتمع مهدد بالدمار.. ومن ثم يجعل الإسلام عقوبة هذه الجرائم هي أقسى العقوبات، لأنه يريد حماية مجتمعه من عوامل الدمار.
ولقد سبق النهي عن قتل الأولاد من إملاق. فالآن ينهى عن قتل «النفس» عامة. فيوحي بأن كل قتل فردي إنما يقع على جنس «النفس» في عمومه. تؤيد هذا الفهم آية: « ... أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً، بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ، فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً، وَمَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً» .. فالاعتداء إنما يقع على حق الحياة ذاتها، وعلى النفس البشرية في عمومها. وعلى هذه القاعدة كفل الله حرمة النفس ابتداء. وهناك طمأنينة الجماعة المسلمة في دار الإسلام وأمنها، وانطلاق كل فرد فيها ليعمل وينتج آمناً على حياته، لا يُؤذى فيها إلا بالحق. والحق الذي تؤخذ به النفس بينه الله في شريعته، ولم يتركه للتقدير والتأويل. ولكنه لم يبينه ليصبح شريعة إلا بعد أن قامت الدولة المسلمة، وأصبح لها من السلطان ما يكفل لها تنفيذ الشريعة! وهذه اللفتة لها قيمتها في تعريفنا بطبيعة منهج هذا الدين في النشأة والحركة. فحتى هذه القواعد الأساسية في حياة المجتمع، لم يفصلها القرآن إلا في مناسبتها العملية.
وقبل أن يمضي السياق في بيان المحرمات والتكاليف، يفصل بين هذا القسم والذي يليه بإبراز وصية الله وأمره وتوجيهه:
«ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» .
وهذا التعقيب يجيء وفق المنهج القرآني في ربط كل أمر وكل نهي بالله. تقريرا لوحدة السلطة التي تأمر وتنهى في الناس، وربطاً للأوامر والنواهي بهذه السلطة التي تجعل للأمر والنهي وزنه في ضمائر الناس! كذلك تجيء فيه الإشارة إلى التعقل. فالعقل يقتضي أن تكون هذه السلطة وحدها هي التي تعبد الناس لشرعها.
وقد سبق أنها سلطة الخالق الرازق المتصرف في حياة الناس! وهذا وذلك فوق ما في الطائفة الأولى من التجانس. وما بين الطائفة الثانية كذلك من التجانس. فجعل هذه في آية، وتلك في آية، وبينهما هذا الإيقاع.
«وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ»
..
واليتيم ضعيف في الجماعة، بفقده الوالد الحامي والمربي. ومن ثم يقع ضعفه على الجماعة المسلمة- على أساس التكافل الاجتماعي الذي يجعله الإسلام قاعدة نظامه الاجتماعي [2] - وكان اليتيم ضائعاً في المجتمع العربي في الجاهلية. وكثرة التوجيهات الواردة في القرآن وتنوعها وعنفها أحيانا تشي بما كان فاشياً في ذلك المجتمع من ضيعة اليتيم فيه حتى انتدب الله يتيما كريماً فيه فعهد إليه بأشرف مهمة في الوجود. حين عهد إليه بالرسالة إلى الناس كافة، وجعل من آداب هذا الدين الذي بعثه به رعاية اليتيم وكفالته على النحو الذي نرى منه هذا التوجيه:
«وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ» .
فعلى من يتولى اليتيم ألا يقرب ماله إلا بالطريقة التي هي أحسن لليتيم. فيصونه وينميه، حتى يسلمه له كاملاً نامياً عند بلوغه أشده. أي اشتداد قوته الجسمية والعقلية. ليحمي ماله، ويحسن القيام عليه. وبذلك [1] راجع كتاب «التطور والثبات» لمحمد قطب. «دار الشروق» . [2] يراجع بتوسع فصل: «مجتمع متكافل» في كتاب: «نحو مجتمع إسلامي» .
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1232