responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1231
النظافة والطهارة والعفة. فنهاهم عن الفواحش ظاهرها وخافيها.. فهو نهي مرتبط تماماً بالوصية السابقة عليها.. وبالوصية الأولى التي تقوم عليها كافة الوصايا.
إنه لا يمكن قيام أسرة، ولا استقامة مجتمع، في وحل الفواحش ما ظهر منها وما بطن.. إنه لا بد من طهارة ونظافة وعفة لتقوم الأسرة وليقوم المجتمع. والذين يحبون أن تشيع الفاحشة هم الذين يحبون أن تتزعزع قوائم الأسرة وأن ينهار المجتمع.
والفواحش: كل ما أفحش- أي تجاوز الحد- وإن كانت أحياناً تخص بنوع منها هو فاحشة الزنا.
ويغلب على الظن أن يكون هذا هو المعنى المراد في هذا الموضع. لأن المجال مجال تعديد محرمات بذاتها، فتكون هذه واحدة منها بعينها. وإلا فقتل النفس فاحشة، وأكل مال اليتيم فاحشة، والشرك بالله فاحشة الفواحش. فتخصيص «الفواحش» هنا بفواحش الزنا أولى بطبيعة السياق. وصيغة الجمع، لأن هذه الجريمة ذات مقدمات وملابسات كلها فاحشة مثلها. فالتبرج، والتهتك، والاختلاط المثير، والكلمات والإشارات والحركات والضحكات الفاجرة، والإغراء والتزيين والاستثارة ... كلها فواحش تحيط بالفاحشة الأخيرة. وكلها فواحش منها الظاهر ومنها الباطن. منها المستسر في الضمير ومنها البادي في الجوارح.
منها المخبوء المستور ومنها المعلن المكشوف! وكلها مما يحطم قوام الأسرة، وينخر في جسم الجماعة، فوق ما يلطخ ضمائر الأفراد، ويحقر من اهتماماتهم، ومن ثم جاءت بعد الحديث عن الوالدين والأولاد.
ولأن هذه الفواحش ذات إغراء وجاذبية، كان التعبير: «وَلا تَقْرَبُوا» .. للنهي عن مجرد الاقتراب، سداً للذرائع، واتقاء للجاذبية التي تضعف معها الإرادة.. لذلك حرمت النظرة الثانية- بعد الأولى غير المتعمدة- ولذلك كان الاختلاط ضرورة تتاح بقدر الضرورة. ولذلك كان التبرج- حتى بالتعطر في الطريق- حراماً، وكانت الحركات المثيرة، والضحكات المثيرة، والإشارات المثيرة، ممنوعة في الحياة الإسلامية النظيفة.. فهذا الدين لا يريد أن يعرض الناس للفتنة ثم يكلف أعصابهم عنتا في المقاومة! فهو دين وقاية قبل أن يقيم الحدود، ويوقع العقوبات. وهو دين حماية للضمائر والمشاعر والحواس والجوارح. وربك أعلم بمن خلق، وهو اللطيف الخبير..
وكذلك نعلم ما الذي يريده بهذا الدين، وبحياة المجتمع كله وبحياة الأسرة، من يزينون للناس الشهوات، ومن يطلقون الغرائز من عقالها بالكلمة والصورة والقصة والفيلم وبالمعسكر المختلط وبسائر أدوات التوجيه والإعلام! «وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ» ..
ويكثر في السياق القرآني مجيء النهي عن هذه المنكرات الثلاثة متتابعة: الشرك، والزنا، وقتل النفس..
ذلك أنها كلها جرائم قتل في الحقيقة! الجريمة الأولى جريمة قتل للفطرة والثانية جريمة قتل للجماعة، والثالثة جريمة قتل للنفس المفردة.. إن الفطرة التي لا تعيش على التوحيد فطرة ميتة [1] . والجماعة التي تشيع فيها الفاحشة جماعة ميتة، منتهية حتماً إلى الدمار. والحضارة الإغريقية والحضارة الرومانية والحضارة الفارسية. شواهد من التاريخ. ومقدمات الدمار والانهيار في الحضارة الغربية تنبئ بالمصير المرتقب لأمم ينخر

[1] يراجع تفسير قوله تعالى: «أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها» ..
ص 1199- 1201 في هذا الجزء
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1231
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست