responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1226
فأما اليهود فقد حرم الله عليهم كل ذي ظفر من الحيوان- أي كل حيوان قدمه غير مشقوقة وذلك كالإبل والنعام والأوز والبط. وحرم كذلك شحم البقر والغنم- إلا شحم الظهر، أو الدهن الملتف بالأمعاء، أو ما اختلط منه بالعظم.. وكان ذلك عقوبة لهم على بغيهم بتجاوز أوامر الله وشرائعه:
«وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ. وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما- إِلَّا ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ- ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ، وَإِنَّا لَصادِقُونَ» .
والنص يبين سبب هذا التحريم، وهو سبب خاص باليهود، ويؤكد أن هذا هو الصدق، لا ما يقولونه هم من أن إسرائيل، وهو يعقوب جدهم، هو الذي حرم هذا على نفسه فهم يتبعونه فيما حرم على نفسه..
لقد كان هذا مباحا حلالاً ليعقوب. ولكنه حرم عليهم بعد ما بغوا، فجازاهم الله بهذا الحرمان من الطيبات.
«فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ: رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ، وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ» ..
فقل ربكم ذو رحمة واسعة بنا، وبمن كان مؤمنا من عباده، وبغيرهم من خلقه. فرحمته- سبحانه- تسع المحسن والمسيء وهو لا يعجل على من استحق العقاب حلما منه ورحمة. فإن بعضهم قد يثوب إلى الله.. ولكن بأسه شديد لا يرده عن المجرمين إلا حلمه، وما قدره من إمهالهم إلى أجل مرسوم.
وهذا القول فيه من الإطماع في الرحمة بقدر ما فيه من الإرهاب بالبأس. والله الذي خلق قلوب البشر يخاطبها بهذا وذاك لعلها تهتز وتتلقى وتستجيب.
وعند ما يصل السياق إلى هذا الحد من تضييق الخناق عليهم، وسد الذرائع في وجوههم، يواجه مهربهم الأخير الذين يحيلون عليه شركهم وضلال تصوراتهم وتصرفاتهم.. إنهم يقولون: إنهم مجبرون لا مخيرون فيما اعتسفوا من شرك وضلال. فلو كان الله لا يريد منهم الشرك والضلال لمنعهم منه بقدرته التي لا يعجزها شيء:
«سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا: لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا، وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ. كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذاقُوا بَأْسَنا. قُلْ: هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا؟ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ، وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ. قُلْ: فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ، فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ» :
وقضية الجبر والاختيار كثر فيها الجدل في تاريخ الفكر الإسلامي بين أهل السنة والمعتزلة والمجبرة والمرجئة ...
وتدخلت الفلسفة الإغريقية والمنطق الإغريقي واللاهوت المسيحي في هذا الجدل، فتعقد تعقيداً لا تعرفه العقلية الإسلامية الواضحة الواقعية.. ولو أخذ الأمر بمنهج القرآن المباشر الميسر الجاد، ما اشتد هذا الجدل، وما سار في ذلك الطريق الذي سار فيه.
ونحن نواجه قول المشركين هذا والرد القرآني عليه، فنجد قضية واضحة بسيطة محددة:
«سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكْنا وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ» .. فهم يحيلون شركهم هم وآباؤهم، وتحريمهم ما حرموه مما لم يحرمه الله، وادعاءهم أن هذا من شرع الله بغير علم ولا دليل..
يحيلون هذا كله على مشيئة الله بهم. فلو شاء الله ما أشركوا ولا حرموا..
فكيف واجه القرآن الكريم هذه المقولة؟
لقد واجهها بأنهم كذبوا كما كذب الذين من قبلهم، وقد ذاق المكذبون من قبلهم بأس الله. وبأس الله ينتظر المكذبين الجدد:

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1226
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست