responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1209
ما أنزل على الرسل، وينطلقون إلى قومهم منذرين به. كالذي رواه القرآن الكريم من أمر الجن في سورة الأحقاف: «وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ. فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا: أَنْصِتُوا. فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ. قالُوا: يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ، يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ. يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ، يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ، وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. وَمَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ، وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ. أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ» ..
فجائز أن يكون السؤال والجواب للجن مع الإنس قائمين على هذه القاعدة.. والأمر كله مما اختص الله سبحانه بعلمه والبحث فيما وراء هذا القدر لا طائل وراءه! وعلى أية حال فقد أدرك المسئولون من الجن والإنس، أن السؤال ليس على وجهه. إنما هو سؤال للتقرير والتسجيل كما أنه للتأنيب والتوبيخ فأخذوا في الاعتراف الكامل وسجلوا على أنفسهم استحقاقهم لما هم فيه:
الُوا: شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا»
:
وهنا يتدخل المعقب على المشهد ليقول:
َ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ»
وهو تعقيب لتقرير حقيقة حالهم في الدنيا. فقد غرتهم هذه الحياة وقادهم الغرور إلى الكفر. ثم هاهم أولاء يشهدون على أنفسهم به حيث لا تجدي المكابرة والإنكار.. فأي مصير أبأس من أن يجد الإنسان نفسه في هذا المأزق، الذي لا يملك أن يدفع عن نفسه فيه، ولا بكلمة الإنكار! ولا بكلمة الدفاع! ونقف لحظة أمام الأسلوب القرآني العجيب في رسم المشاهد حاضرة ورد المستقبل المنظور واقعاً مشهوداً وجعل الحاضر القائم ماضياً بعيداً! إن هذا القرآن يتلى على الناس في هذه الدنيا الحاضرة وفي هذه الأرض المعهودة. ولكنه يعرض مشهد الآخرة كأنه حاضر قريب ومشهد الدنيا كأنها ماض بعيد! فننسى أن ذلك مشهد سيكون يوم القيامة ونستشعر أنه أمامنا اللحظة ماثل! وأنه يتحدث عن الدنيا التي كانت كما يتحدث عن التاريخ البعيد! َ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا، وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ- كانُوا- كافِرِينَ»
..
وذلك من عجائب التخييل! وعلى ختام المشهد يلتفت السياق بالخطاب إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومن وراءه من المؤمنين وإلى الناس أجمعين ليعقب على هذا الحكم الصادر بجزاء الشياطين من الإنس والجن وبإحالة هذا الحشد الحاشد إلى النار وعلى إقرارهم بأن الرسل قد جاءت إليهم، تقص عليهم آيات الله، وتنذرهم لقاء يومهم هذا.. ليعقب على هذا المشهد وما كان فيه، بأن عذاب الله لا ينال أحدا إلا بعد الإنذار وأن الله لا يأخذ العباد بظلمهم (أي بشركهم) إلا بعد أن ينبهوا من غفلتهم وتقص عليهم الآيات، وينذرهم المنذرون:
«ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى - بِظُلْمٍ- وَأَهْلُها غافِلُونَ» ..
لقد اقتضت رحمة الله بالناس ألا يؤاخذهم على الشرك والكفر حتى يرسل إليهم الرسل، على الرغم مما أودعه فطرتهم من الاتجاه إلى ربها- فقد تضل هذه الفطر- وعلى الرغم مما أعطاهم من قوة العقل والإدراك-

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1209
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست