responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1208
يمضي قدره بالناس عن حكمة وعن علم ينفرد بهما الحكيم العليم..
وقبل استئناف الحوار لإتمام المشهد، يتحول السياق للتعقيب على شطر المشهد المنتهي:
«وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» ..
بمثل هذا الذي قام بين الجن والإنس من ولاء وبمثل ما انتهى إليه هذا الولاء من مصير.. بمثل ذلك، وعلى قاعدته، نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون. نجعل بعضهم أولياء بعض بحكم ما بينهم من تشابه في الطبع والحقيقة وبحكم ما بينهم من اتفاق في الوجهة والهدف، وبحكم ما ينتظرهم من وحدة في المصير..
وهو تقرير عام أبعد مدى من حدود المناسبة التي كانت حاضرة، إنه يتناول طبيعة الولاء بين الشياطين من الإنس والجن عامة. فإن الظالمين- وهم الذين يشركون بالله في صورة من الصور- يتجمع بعضهم إلى بعض في مواجهة الحق والهدى ويعين بعضهم بعضا في عداء كل نبي والمؤمنين به. إنهم فضلا على أنهم من طينة واحدة- مهما اختلفت الأشكال- هم كذلك أصحاب مصلحة واحدة، تقوم على اغتصاب حق الربوبية على الناس، كما تقوم على الانطلاق مع الهوى بلا قيد من حاكمية الله..
ونحن نراهم في كل زمان كتلة واحدة يساند بعضهم بعضا- على ما بينهم من خلافات وصراع على المصالح- إذا كانت المعركة مع دين الله ومع أولياء الله.. فبحكم ما بينهم من اتفاق في الطينة، واتفاق في الهدف يقوم ذلك الولاء.. وبحكم ما يكسبون من الشر والإثم تتفق مصائرهم في الآخرة على نحو ما رأينا في المشهد المعروض! وإننا لنشهد في هذه الفترة- ومنذ قرون كثيرة- تجمعا ضخما لشياطين الإنس من الصليبيين والصهيونيين والوثنيين والشيوعيين- على اختلاف هذه المعسكرات فيما بينها- ولكنه تجمع موجه إلى الإسلام، وإلى سحق طلائع حركات البعث الإسلامي في الأرض كلها.
وهو تجمع رهيب فعلا، تجتمع له خبرة عشرات القرون في حرب الإسلام، مع القوى المادية والثقافية، مع الأجهزة المسخرة في المنطقة ذاتها للعمل وفق أهداف ذلك التجمع وخططه الشيطانية الماكرة.. وهو تجمع يتجلى فيه قول الله سبحانه: «وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ» .. كما ينطبق عليه تطمين الله لنبيه- صلى الله عليه وسلم: «ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون» .. ولكن هذا التطمين يقتضي أن تكون هناك العصبة المؤمنة التي تسير على قدم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتعلم أنها تقوم مقامه في هذه المعركة المشبوبة على هذا الدين، وعلى المؤمنين..
ثم نعود مع السياق إلى شطر المشهد الأخير:
امَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي، وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا؟ قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا، وَغَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا، وَشَهِدُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كانُوا كافِرِينَ»
..
وهو سؤال للتقرير والتسجيل. فالله- سبحانه- يعلم ما كان من أمرهم في الحياة الدنيا. والجواب عليه إقرار منهم باستحقاقهم هذا الجزاء في الآخرة..
والخطاب موجه إلى الجن كما هو موجه إلى الإنس.. فهل أرسل الله إلى الجن رسلا منهم كما أرسل إلى الإنس؟ الله وحده يعلم شأن هذا الخلق المغيب عن البشر. ولكن النص يمكن تأويله بأن الجن كانوا يسمعون

نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب    جلد : 3  صفحه : 1208
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست