نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1189
بإرادتنا وتقديرنا، جعلنا لكل نبي عدوا.. هذا العدو هو شياطين الإنس والجن.. والشيطنة وهي التمرد والغواية والتمحض للشر صفة تلحق الإنس كما تلحق الجن. وكما أن الذي يتمرد من الجن ويتمحض للشر والغواية يسمى شيطاناً فكذلك الذي يتمرد من الإنس ويتمحض للشر والغواية.. وقد يوصف بهذه الصفة الحيوان أيضا إذا شرس وتمرد واستشرى أذاه! وقد ورد: «الكلب الأسود شيطان» .
هؤلاء الشياطين- من الإنس والجن- الذين قدر الله أن يكونوا عدوا لكل نبي، يخدع بعضهم بعضا بالقول المزخرف، الذي يوحيه بعضهم إلى بعض- ومن معاني الوحي التأثير الداخلي الذي ينتقل به الأثر من كائن إلى كائن آخر- ويغر بعضهم بعضا، ويحرض بعضهم بعضاً على التمرد والغواية والشر والمعصية..
وشياطين الإنس أمرهم معروف ومشهود لنا في هذه الأرض، ونماذجهم ونماذج عدائهم لكل نبي، وللحق الذي معه، وللمؤمنين به، معروفة يملك أن يراها الناس في كل زمان.
فأما شياطين الجن- والجن كله- فهم غيب من غيب الله، لا نعرف عنه إلا ما يخبرنا به مَن عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو.. ومن ناحية مبدأ وجود خلائق أخرى في هذا الكون غير الإنسان وغير الأنواع والأجناس المعروفة في الأرض من الأحياء.. نقول من ناحية المبدأ نحن نؤمن بقول الله عنها، ونصدق بخبره في الحدود التي قررها. فأما أولئك الذين يتترسون «بالعلم» لينكروا ما يقرره الله في هذا الشأن، فلا ندري علام يرتكنون؟ إن علمهم البشري لا يزعم أنه أحاط بكل أجناس الأحياء، في هذا الكوكب الأرضي! كما أن علمهم هذا لا «يعلم» ماذا في الأجرام الأخرى! وكل ما يمكن أن «يفترضه» أن نوع الحياة الموجود في الأرض يمكن أولا يمكن أن يوجد في بعض الكواكب والنجوم.. وهذا لا يمكن أن ينفي- حتى لو تأكدت الفروض- أن أنواعاً أخرى من الحياة وأجناساً أخرى من الأحياء يمكن أن تعمر جوانب أخرى في الكون لا يعلم هذا «العلم» عنها شيئاً! فمن التحكم والتبجح أن ينفي أحد باسم «العلم» وجود هذه العوالم الحية الأخرى.
وأما من ناحية طبيعة هذا الخلق المسمى بالجن والذي يتشيطن بعضه ويتمحض للشر والغواية- كإبليس وذريته- كما يتشيطن بعض الإنس.. من ناحية طبيعة هذا الخلق المسمى بالجن، نحن لا نعلم عنه إلا ما جاءنا الخبر الصادق به عن الله- سبحانه- وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ونحن نعرف أن هذا الخلق مخلوق من مارج من نار. وأنه مزود بالقدرة على الحياة في الأرض وفي باطن الأرض وفي خارج الأرض أيضاً. وأنه يملك الحركة في هذه المجالات بأسرع مما يملك البشر. وأن منه الصالحين المؤمنين، ومنه الشياطين المتمردين. وأنه يرى بني آدم وبنو آدم لا يرونه- في هيئته الأصلية- وكم من خلائق ترى الإنسان ولا يراها الإنسان! وأن الشياطين منه مسلطون على بني الإنسان يغوونهم ويضلونهم، وهم قادرون على الوسوسة لهم والإيحاء بطريقة لا نعلمها. وأن هؤلاء الشياطين لا سلطان لهم على المؤمنين الذاكرين.
وأن الشيطان مع المؤمن إذا ذكر الله خنس وتوارى، وإذا غفل برز فوسوس له! وأن المؤمن أقوى بالذكر من كيد الشيطان الضعيف. وأن عالم الجن يحشر مع عالم الإنس ويحاسب ويجازى بالجنة وبالنار كالجنس الإنساني. وأن الجن حين يقاسون إلى الملائكة يبدون خلقاً ضعيفاً لا حول له ولا قوة! وفي هذه الآية نعرف أن الله سبحانه قد جعل لكل نبي عدواً شياطين الإنس والجن..
ولقد كان الله- سبحانه- قادراً- لو شاء- ألا يفعلوا شيئاً من هذا.. ألا يتمردوا وألا يتمحضوا للشر وألا يعادوا الأنبياء وألا يؤذوا المؤمنين وألا يضلوا الناس عن سبيل الله.. كان الله سبحانه قادرا أن يقهرهم
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1189