نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1188
أن ذلك كذلك. يحسبون أن الإيمان إليهم، والكفر بأيديهم، متى شاءوا آمنوا، ومتى شاءوا كفروا.
وليس ذلك كذلك، ذلك بيدي. لا يؤمن منهم إلا من هديته له فوفقته، ولا يكفر إلا من خذلته عن الرشد فأضللته) .
وهذا الأصل الذي يقرره ابن جرير هنا هو الصحيح. ولكنه يحتاج إلى زيادة الإيضاح- التي أسلفناها- باستلهام مجموعة النصوص القرآنية عن الهدى والضلالة ومشيئة الله وجهد الإنسان.. إن الإيمان حدثٌ والضلال حدث. وما يقع في هذا الوجود حدث إلا بقدر من الله ينشئه:
«إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ» . فأما السنة التي يجري على أساسها ذلك القدر بوقوع إيمان فلان وضلال فلان، فهي التي تبينها مجموعة النصوص. وهي أن الإنسان مبتلى بقدر من الاختيار في الاتجاه. فإذا اتجه إلى الهدى وجاهد فيه هداه الله ووقع هداه وتحقق بقدر من الله. وإذا اتجه إلى الضلال وكره الهدى أضله الله. ووقع ضلاله وتحقق بقدر من الله.. وهو على الحالين في قبضة الله وسلطانه. وحياته تجري بقدر الله وفق مشيئته الطليقة، وسنته التي وضعتها مشيئته الطليقة.
بعد ذلك تجيء آيتان في سياق السورة هما من ناحية تكملة للمعاني والحقائق التي تستهدفها الفقرة السابقة التي انتهينا من الحديث عنها. ومن ناحية هما تمهيد للقضايا العقيدية المتعلقة بالسلطان والشريعة والحاكمية.
وهي القضايا التي تستغرق ما تبقى من السورة..
الآيتان:
«وَكَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً- وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ ما فَعَلُوهُ- فَذَرْهُمْ وَما يَفْتَرُونَ. وَلِتَصْغى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ، وَلِيَرْضَوْهُ، وَلِيَقْتَرِفُوا ما هُمْ مُقْتَرِفُونَ» .
.. كذلك.. كالذي قدرناه من أن أولئك المشركين الذين يعلقون إيمانهم بمجيء الخوارق، ويعرضون عن دلائل الهدى وموحياته في الكون والنفس، لا يقع منهم الإيمان ولو جاءتهم كل آية..
كذلك الذي قدرناه في شأن هؤلاء، قدرنا أن يكون لكل نبي عدوهم شياطين الإنس والجن. وقدرنا أن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول ليخدعوهم به ويغروهم بحرب الرسل وحرب الهدى. وقدرنا أن تصغي إلى هذا الزخرف أفئدة الذين لا يؤمنون بالآخرة، ويرضوه، ويقترفوا ما يقترفونه من العداوة للرسل وللحق ومن الضلال والفساد في الأرض..
كل ذلك إنما جرى بقدر الله وفق مشيئته. ولو شاء ربك ما فعلوه. ولمضت مشيئته بغير هذا كله ولجرى قدره بغير هذا الذي كان. فليس شيء من هذا كله بالمصادفة. وليس شيء من هذا كله بسلطان من البشر كذلك أو قدرة! فإذا تقرر أن هذا الذي يجري في الأرض من المعركة الناشبة التي لا تهدأ بين الرسل والحق الذي معهم، وبين شياطين الإنس والجن وباطلهم وزخرفهم وغرورهم.. إذا تقرر أن هذا الذي يجري في الأرض إنما يجري بمشيئة الله ويتحقق بقدر الله، فإن المسلم ينبغي أن يتجه إذن إلى تدبر حمكة الله من وراء ما يجري في الأرض بعد أن يدرك طبيعة هذا الذي يجري والقدرة التي وراءه..
«وكذلك جعلنا لكل نبي عدوا، شياطين الإنس والجن، يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً» ..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1188