نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1186
يشتهون أن لو يجيبهم الله إلى ما يطلبون! ويقترحون على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يسأل ربه هذه الآيات التي يقترحها المقترحون! والفقرة كلها جاءت هكذا:
«وأقسموا بالله جهد أيمانهم: لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها. قل: إنما الآيات عند الله. وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون؟ ونقلب افئدتهم وأبصارهم- كما لم يؤمنوا به أول مرة- ونذرهم في طغيانهم يعمهون..
ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة، وكلمهم الموتى، وحشرنا عليهم كل شيء قبلا، ما كانوا ليؤمنوا- إلا أن يشاء الله- ولكن أكثرهم يجهلون» ..
ولقد سبق الحديث عن هذه الآيات في نهاية الجزء السابع [1] . فالآن نتحدث عن الحقائق العامة التي تتناولها هذه النصوص والتي لم نتعرض لها هناك في تفسيرها:
والحقيقة الأولى: هي أن الإيمان أو الكفر. والهدى أو الضلال ... لا تتعلق بالبراهين والأدلة على الحق.
فالحق هو برهان ذاته. وله من السلطان على القلب البشري ما يجعله يقبله ويطمئن إليه ويرضخ له.. ولكنها المعوقات الأخرى هي التي تحول بين القلب والحق، وهذه المعوقات يقول الله- سبحانه- للمؤمنين بشأنها:
«وما يشعركم أنها إذا جاءت (أي الآيات والخوارق) لا يؤمنون؟ ونقلب افئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة، ونذرهم في طغيانهم يعمهون» ..
فما وقع لهم في أول مرة ومنعهم من الهدى، يمكن أن يتكرر وقوعه كذلك- بعد نزول الآية- فيمنعهم من الهدى كرة أخرى..
إن موحيات الإيمان كامنة في القلب ذاته وفي الحق كذلك بذاته وليست متعلقة بعوامل خارجية..
فيجب أن تتجه المحاولة إذن إلى ذلك القلب لعلاجه من آفاته ومن معوقاته..
والحقيقة الثانية: هي أن مشيئة الله هي المرجع الأخير في أمر الهدى والضلال. فقد اقتضت هذه المشيئة أن تبتلي البشر بقدر من حرية الاختيار والتوجه في الابتداء وجعل هذا القدر موضع ابتلاء للبشر وامتحان. فمن استخدمه في الاتجاه القلبي إلى الهدى والتطلع إليه والرغبة فيه- وإن كان لا يعلم حينئذ أين هو- فقد اقتضت مشيئة الله أن يأخذه بيده ويعينه ويهديه إلى سبيله. ومن استخدمه في الرغبة عن الهدى والصدود عن دلائله وموحياته، فقد اقتضت مشيئة الله أن يضله وأن يبعده عن الطريق وأن يدعه يتخبط في الظلمات.. وإرادة الله وقدره محيطان بالبشر في كل حالة، ومرد الأمر كله إليه في النهاية.
وهذه الحقيقة يشير إليها السياق في قوله تعالى:
«وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ- كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ- وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ» .
وفي قوله: «وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى، وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا، ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا- إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ- وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ» ..
كما يشير إليها في آية سابقة على هذه الفقرة في سياق السورة قوله تعالى:
«اتَّبِعْ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ. وَلَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَكُوا. وَما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً، وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ» .. [1] ص 1169- 1170 من هذه الطبعة المنقحة
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1186