نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1180
العباد وألا يكون لغيره أمر ولا نهي، ولا شرع ولا حكم، ولا تحليل ولا تحريم.. فهذا كله من خصائص الألوهية، ولا يجوز أن يزاوله في حياة الناس أحد من دون الله، لا يخلق ولا يرزق ولا يحيي ولا يميت، ولا يضر ولا ينفع، ولا يمنح ولا يمنع، ولا يملك لنفسه ولا لغيره شيئا في الدنيا ولا في الآخرة.. وسياق السورة يسوق على هذه القضية أدلته في تلك المشاهد والمواقف والإيقاعات البالغة حد الروعة الباهرة، والتي تواجه القلب بالحشود الحاشدة من المؤثرات الموحية، من كل درب ومن كل باب! «والقضية الكبرى التي تعالجها السورة هي قضية «الألوهية والعبودية» في السماوات والأرض في محيطها الواسع، وفي مجالها الشامل.. ولكن المناسبة الحاضرة في حياة الجماعة المسلمة حينذاك.. المناسبة التطبيقية لهذه القاعدة الكبيرة الشاملة.. هي ما تزاوله الجاهلية من حق التحريم والتحليل في الذبائح والمطاعم ومن حق تقرير الشعائر في النذور من الذبائح والثمار.. والأولاد.. وهي المناسبة التي تتحدث عنها هذه الآيات في أواخر السورة:
«فكلوا مما ذكر اسم الله عليه إن كنتم بآياته مؤمنين. وما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه، وقد فصل لكم ما حرم عليكم- إلا ما اضطررتم إليه- وإن كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم. إن ربك هو أعلم بالمعتدين.
وذروا ظاهر الإثم وباطنه. إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون. ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه، وإنه لفسق، وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم، وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ...
(118- 121) «وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً، فقالوا: هذا لله- بزعمهم- وهذا لشركائنا. فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله، وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم. ساء ما يحكمون! وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم، ليردوهم، وليلبسوا عليهم دينهم. ولو شاء الله ما فعلوه، فذرهم وما يفترون. وقالوا: هذه أنعام وحرث حجر، لا يطعمها إلا من نشاء- بزعمهم- وأنعام حرمت ظهورها، وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها- افتراء عليه- سيجزيهم بما كانوا يفترون. وقالوا: ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا، ومحرم على أزواجنا، وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء. سيجزيهم وصفهم. إنه حكيم عليم.
قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم، وحرموا ما رزقهم الله- افتراء على الله- قد ضلوا وما كانوا مهتدين» ... (136- 140) .
«هذه هي المناسبة الحاضرة في حياة الأمة المسلمة- والجاهلية من حولها- التي تتمثل فيها تلك القضية الكبيرة..
قضية التشريع والحاكمية.. ومن ورائها القضية الكبرى.. قضية الالوهية والعبودية التي تواجهها السورة كلها، ويعالجها القرآن المكي كله، كما يعالجها القرآن المدني أيضا، كلما جاء ذكر النظام فيه وذكر التشريع.
«والحشد الذي يتدفق به سياق السورة من التقريرات والمؤثرات، وهو يواجه الجاهلية وأهلها في أمر هذه الأنعام والذبائح والنذور- وهي المناسبة التي تتمثل فيها قضية حق الحاكمية والتشريع- وربطها بقضية العقيدة كلها.. قضية الألوهية والعبودية.. وجعلها مسألة إيمان أو كفر، ومسألة إسلام أو جاهلية.. هذا الحشد- على هذا النحو الذي سنحاول أن نستعرض نماذج منه في هذا التعريف المختصر بالسورة، والذي سيتجلى على حقيقته في المواجهة التفصيلية للنصوص في السياق بعد ذلك- يوقع في النفس تلك الحقيقة الأصيلة في طبيعة هذا الدين.
وهي أن كل جزئية صغيرة في الحياة الإنسانية يجب أن تخضع خضوعا مطلقا لحاكمية الله المباشرة الممثلة في شريعته. وإلا فهو الخروج من هذا الدين جملة، من أجل الخروج على حاكمية الله المطلقة في تلك الجزئية الصغيرة.
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 3 صفحه : 1180