نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 2 صفحه : 905
وأجل! فمن أحسن من الله حكماً؟
ومن ذا الذي يجرؤ على ادعاء أنه يشرع للناس، ويحكم فيهم، خيراً مما يشرع الله لهم ويحكم فيهم؟
وأية حجة يملك أن يسوقها بين يدي هذا الادعاء العريض؟
أيستطيع أن يقول: إنه أعلم بالناس من خالق الناس؟ أيستطيع أن يقول: إنه أرحم بالناس من رب الناس؟ أيستطيع أن يقول: إنه أعرف بمصالح الناس من إله الناس؟ أيستطيع أن يقول: إن الله- سبحانه- وهو يشرع شريعته الأخيرة، ويرسل رسوله الأخير ويجعل رسوله خاتم النبيين، ويجعل رسالته خاتمة الرسالات، ويجعل شريعته شريعة الأبد.. كان- سبحانه- يجهل أن أحوالاً ستطرأ، وأن حاجات ستستجد، وأن ملابسات ستقع فلم يحسب حسابها في شريعته لأنها كانت خافية عليه، حتى انكشفت للناس في آخر الزمان؟! ما الذي يستطيع أن يقوله من ينحي شريعة الله عن حكم الحياة، ويستبدل بها شريعة الجاهلية، وحكم الجاهلية ويجعل هواه هو أو هوى شعب من الشعوب، أو هوى جيل من أجيال البشر، فوق حكم الله، وفوق شريعة الله؟
ما الذي يستطيع أن يقوله.. وبخاصة إذا كان يدعي أنه من المسلمين؟! الظروف؟ الملابسات؟ عدم رغبة الناس؟ الخوف من الأعداء؟ .. ألم يكن هذا كله في علم الله وهو يأمر المسلمين أن يقيموا بينهم شريعته، وأن يسيروا على منهجه، وألا يفتنوا عن بعض ما أنزله؟
قصور شريعة الله عن استيعاب الحاجات الطارئة، والأوضاع المتجددة، والاحوال المتغلبة؟ ألم يكن ذلك في علم الله وهو يشدد هذا التشديد، ويحذر هذا التحذير؟
يستطيع غير المسلم أن يقول ما يشاء.. ولكن المسلم.. أو من يدعون الإسلام.. ما الذي يقولونه من هذا كله، ثم يبقون على شيء من الإسلام؟ أو يبقى لهم شيء من الإسلام؟
إنه مفرق الطريق، الذي لا معدى عنده من الاختيار ولا فائدة في المماحكة عنده ولا الجدال..
إما إسلام وإما جاهلية. إما إيمان وإما كفر. إما حكم الله وإما حكم الجاهلية..
والذين لا يحكمون بما أنزل الله هم الكافرون الظالمون الفاسقون. والذين لا يقبلون حكم الله من المحكومين ما هم بمؤمنين..
إن هذه القضية يجب أن تكون واضحة وحاسمة في ضمير المسلم وألا يتردد في تطبيقها على واقع الناس في زمانه والتسليم بمقتضى هذه الحقيقة ونتيجة هذا التطبيق على الأعداء والأصدقاء! وما لم يحسم ضمير المسلم في هذه القضية، فلن يستقيم له ميزان ولن يتضح له منهج، ولن يفرق في ضميره بين الحق والباطل ولن يخطو خطوة واحدة في الطريق الصحيح.. وإذا جاز أن تبقى هذه القضية غامضة أو مائعة في نفوس الجماهير من الناس فما يجوز أن تبقى غامضة ولا مائعة في نفوس من يريدون أن يكونوا «المسلمين» وأن يحققوا لأنفسهم هذا الوصف العظيم..
نام کتاب : في ظلال القرآن نویسنده : سيد قطب جلد : 2 صفحه : 905