responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 80
الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ أَوْ لِلطَّمَعِ فِي الصَّدَقَةِ، وَهَذِهِ صِفَةُ الْمُنَافِقِينَ لِأَنَّهُمْ أَسْلَمُوا فِي ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ: وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ أَيْ: لَمْ يَكُنْ مَا أَظْهَرْتُمُوهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ عَنْ مُوَاطَأَةِ قُلُوبِكُمْ، بَلْ مُجَرَّدُ قَوْلٍ بِاللِّسَانِ مِنْ دُونِ اعْتِقَادٍ صَحِيحٍ وَلَا نِيَّةٍ خَالِصَةٍ، وَالْجُمْلَةُ إِمَّا مُسْتَأْنَفَةٌ لِتَقْرِيرِ مَا قَبْلَهَا، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، وَفِي لَمَّا مَعْنَى التَّوَقُّعِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْإِسْلَامُ: إِظْهَارُ الْخُضُوعِ وَقَبُولُ مَا أَتَى بِهِ النَّبِيُّ، وَبِذَلِكَ يُحْقَنُ الدَّمُ، فَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ الْإِظْهَارِ اعْتِقَادٌ وَتَصْدِيقٌ بِالْقَلْبِ فَذَلِكَ الْإِيمَانُ وَصَاحِبُهُ الْمُؤْمِنُ.
وَقَدْ أَخْرَجَ هَؤُلَاءِ مِنَ الْإِيمَانِ بِقَوْلِهِ: وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ أَيْ: لَمْ تُصَدِّقُوا وَإِنَّمَا أَسْلَمْتُمْ تَعُوُّذًا مِنَ الْقَتْلِ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ طَاعَةً صَحِيحَةً صَادِرَةً عَنْ نِيَّاتٍ خَالِصَةٍ، وَقُلُوبٍ مُصَدِّقَةٍ غَيْرِ مُنَافِقَةٍ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً يُقَالُ: لَاتَ يَلِتُ: إِذَا نَقَصَ، وَلَاتَهُ يَلِيتُهُ وَيَلُوتُهُ إِذَا نَقَصَهُ، وَالْمَعْنَى:
لَا يَنْقُصُكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ يَلِتْكُمْ مِنْ لَاتَهُ يَلِيتُهُ، كَبَاعَ يَبِيعُهُ. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو لَا يَأْلِتْكُمْ بِالْهَمْزِ مِنْ أَلَتَهُ يَأْلِتُهُ بِالْفَتْحِ فِي الْمَاضِي وَالْكَسْرِ فِي الْمُضَارِعِ، وَاخْتَارَ قِرَاءَةَ أَبِي عَمْرٍو أَبُو حَاتِمٍ لِقَوْلِهِ:
وَما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ [1] وَعَلَيْهَا قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَبْلِغْ بَنِي أَسَدٍ [2] عَنِّي مُغَلْغَلَةً ... جَهْرَ الرِّسَالَةِ لَا أَلْتًا وَلَا كَذِبَا
وَاخْتَارَ أَبُو عُبَيْدَةَ قِرَاءَةَ الْجُمْهُورِ، وَعَلَيْهَا قَوْلُ رُؤْبَةَ بْنِ الْعَجَّاجِ:
وَلَيْلَةٍ ذَاتِ نَدًى سَرَيْتُ ... وَلَمْ يَلِتْنِي عَنْ سُرَاهَا لَيْتُ
وَهُمَا لُغَتَانِ فَصِيحَتَانِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ أَيْ: بَلِيغُ الْمَغْفِرَةِ لِمَنْ فَرَطَ مِنْهُ ذَنْبٌ رَحِيمٌ بَلِيغُ الرَّحْمَةِ لَهُمْ. ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا لَمْ يُؤْمِنُوا وَلَا دَخَلَ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ بَيَّنَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِإِطْلَاقِ اسْمِ الْإِيمَانِ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ يَعْنِي إِيمَانًا صَحِيحًا خَالِصًا عَنْ مُوَاطَأَةِ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا أَيْ: لَمْ يَدْخُلْ قُلُوبَهُمْ شَيْءٌ مِنَ الرَّيْبِ، وَلَا خَالَطَهُمْ شَكٌّ مِنَ الشُّكُوكِ وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ: فِي طَاعَتِهِ وَابْتِغَاءِ مَرْضَاتِهِ، وَيَدْخُلُ فِي الْجِهَادِ الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا، فَإِنَّهَا مِنْ جملة ما يجاهد المرء به نفسه حتى يقوم به ويؤدّيه كَمَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: أُولئِكَ إِلَى الْجَامِعِينَ بَيْنَ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ: هُمُ الصَّادِقُونَ أَيِ: الصَّادِقُونَ فِي الِاتِّصَافِ بِصِفَةِ الْإِيمَانِ وَالدُّخُولِ فِي عِدَادِ أَهْلِهِ، لَا مَنْ عَدَاهُمْ مِمَّنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ بِلِسَانِهِ، وَادَّعَى أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، وَلَمْ يَطْمَئِنَّ بِالْإِيمَانِ قَلْبُهُ، وَلَا وَصَلَ إِلَيْهِ مَعْنَاهُ، وَلَا عَمِلَ بِأَعْمَالِ أَهْلِهِ، وَهُمُ الْأَعْرَابُ الَّذِينَ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ وَسَائِرُ أَهْلِ النِّفَاقِ. ثُمَّ أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ أَنْ يَقُولَ لِأُولَئِكَ الْأَعْرَابِ وَأَمْثَالِهِمْ قَوْلًا آخَرَ لَمَّا ادَّعَوْا أَنَّهُمْ مُؤْمِنُونَ، فَقَالَ: قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ التعليم ها هنا بمعنى الإعلام، ولهذا دخلت الباء في دينكم، أَيْ: أَتُخْبِرُونَهُ بِذَلِكَ حَيْثُ قُلْتُمْ آمَنَّا وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ

[1] الطور: 21.
[2] في تفسير القرطبي (16/ 349) : ثعل.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 80
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست