responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 644
كَأَنَّهُ اسْتَعَاذَ رَبَّهُ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْطَانِ الْوَاحِدِ، ثُمَّ اسْتَعَاذَ بِرَبِّهِ مِنْ جَمِيعِ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالنَّاسِ النَّاسِي وَسَقَطَتِ الْيَاءُ كَسُقُوطِهَا في قوله: يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ [1] ثُمَّ بَيَّنَ بِالْجِنَّةِ وَالنَّاسِ لِأَنَّ كُلَّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْفَرِيقَيْنِ فِي الْغَالِبِ مُبْتَلًى بِالنِّسْيَانِ، وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: وَالنَّاسِ مَعْطُوفًا عَلَى الْوَسْوَاسِ، أَيْ: مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ وَمِنْ شَرِّ النَّاسِ كَأَنَّهُ أُمِرَ أَنْ يَسْتَعِيذَ مِنْ شَرِّ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ. قَالَ الْحَسَنُ: أَمَّا شَيْطَانُ الْجِنِّ فَيُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، وَأَمَّا شَيْطَانُ الْإِنْسِ فَيَأْتِي عَلَانِيَةً. وَقَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ مِنَ الْجِنِّ شَيَاطِينَ، وَإِنَّ مِنَ الْإِنْسِ شَيَاطِينَ، فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَيَاطِينِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَقِيلَ: إِنَّ إِبْلِيسَ يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ الْجِنِّ كَمَا يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ الْإِنْسِ، وَوَاحِدُ الْجِنَّةِ: جِنِّيٌّ، كَمَا أَنَّ وَاحِدَ الْإِنْسِ إِنْسِيٌّ. وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ هُوَ أَرْجَحُ هَذِهِ الْأَقْوَالِ، وَإِنْ كَانَ وَسْوَسَةُ الْإِنْسِ فِي صُدُورِ النَّاسِ لَا تَكُونُ إِلَّا بالمعنى الّذي قدّمنا، ويكون هذا البيان تذكير الثَّقَلَيْنِ لِلْإِرْشَادِ إِلَى أَنَّ مَنِ اسْتَعَاذَ بِاللَّهِ مِنْهُمَا ارْتَفَعَتْ عَنْهُ مِحَنُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ أَبِي دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ قَالَ: مَثَلُ الشَّيْطَانِ كَمَثَلِ ابْنِ عُرْسٍ وَاضِعٌ فَمَهُ عَلَى فَمِ الْقَلْبِ فَيُوَسْوِسُ إِلَيْهِ، فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِنْ سَكَتَ عَادَ إِلَيْهِ، فَهُوَ الْوَسْوَاسُ الْخَنَّاسُ.
وأخرج ابن أبي الدنيا في مكائد الشَّيْطَانِ، وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ شَاهِينَ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ الشَّيْطَانَ وَاضِعٌ خَطْمَهُ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِنْ ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِنْ نَسِيَهُ الْتَقَمَ قَلْبَهُ، فَذَلِكَ الْوَسْوَاسُ الْخَنَّاسُ» . وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ قَالَ: الشَّيْطَانُ جَاثٍ عَلَى قَلْبِ ابْنِ آدَمَ، فَإِذَا سَهَا وَغَفَلَ وَسْوَسَ، وَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا وَابْنُ جَرِيرٍ وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ، وَالضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ، وَالْبَيْهَقِيُّ عَنْهُ قَالَ: مَا مِنْ مَوْلُودٍ يُولَدُ إِلَّا عَلَى قَلْبِهِ الْوَسْوَاسُ، فَإِذَا ذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، وَإِذَا غَفَلَ وَسْوَسَ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:
الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ وَقَدْ وَرَدَ فِي مَعْنَى هَذَا غَيْرُهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ مُطْلَقَ ذِكْرِ اللَّهِ يَطْرُدُ الشَّيْطَانَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَاذَةِ، وَلِذِكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَوَائِدُ جَلِيلَةٌ حَاصِلُهَا: الْفَوْزُ بِخَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَإِلَى هُنَا انْتَهَى هَذَا التَّفْسِيرُ الْمُبَارَكُ بِقَلَمِ مُؤَلِّفِهِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ الشَّوْكَانِيِّ، غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ، وَكَانَ الْفَرَاغُ مِنْهُ فِي ضَحْوَةِ يَوْمِ السَّبْتِ لَعَلَّهُ الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ مِنْ شَهْرِ رَجَبٍ، أَحَدِ شُهُورِ سَنَةِ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ بَعْدَ مِائَتَيْنِ وَأَلْفِ سَنَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ.
اللَّهُمَّ كَمَا مَنَنْتَ عَلَيَّ بِإِكْمَالِ هَذَا التَّفْسِيرِ، وَأَعَنْتَنِي عَلَى تَحْصِيلِهِ، وَتَفَضَّلْتَ عَلَيَّ بِالْفَرَاغِ مِنْهُ، فامنن عليّ بقبوله، واجعله لي ذخيرة عِنْدَكَ، وَأَجْزِلْ لِيَ الْمَثُوبَةَ بِمَا لَاقَيْتُهُ مِنَ التَّعَبِ وَالنَّصَبِ فِي تَحْرِيرِهِ وَتَقْرِيرِهِ، وَانْفَعْ بِهِ مَنْ شِئْتَ مِنْ عِبَادِكَ لِيَدُومَ لِيَ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَعْدَ مَوْتِي، فَإِنَّ هَذَا هُوَ الْمَقْصِدُ الجليل من التصنيف، واجعله

[1] القمر: 6.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 644
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست