responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 524
نبّههم على عظيم من خلقه قد ذلّه الله لِلصَّغِيرِ يَقُودُهُ وَيُنِيخُهُ وَيُنْهِضُهُ وَيَحْمِلُ عَلَيْهِ الثَّقِيلَ مِنَ الْحِمْلِ وَهُوَ بَارِكٌ، فَيَنْهَضُ بِثِقَلِ حِمْلِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَوَامِلِ غَيْرِهِ، فَأَرَاهُمْ عَظِيمًا مِنْ خَلْقِهِ لِيَدُلَّ بِذَلِكَ عَلَى تَوْحِيدِهِ.
وَسُئِلَ الْحَسَنُ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ، وَقِيلَ لَهُ: الْفِيلُ أَعْظَمُ فِي الْأُعْجُوبَةِ، فَقَالَ: أَمَّا الْفِيلُ فَالْعَرَبُ بَعِيدَةُ الْعَهْدِ بِهِ، ثُمَّ هُوَ خِنْزِيرٌ لَا يُرْكَبُ ظَهْرُهُ وَلَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَلَا يُحْلَبُ دَرُّهُ، وَالْإِبِلُ مِنْ أَعَزِّ مَالِ الْعَرَبِ وَأَنْفَسِهِ، تَأْكُلُ النَّوَى وَالْقَتَّ، وَتُخْرِجُ اللَّبَنَ، وَيَأْخُذُ الصَّبِيُّ بِزِمَامِهَا فَيَذْهَبُ بِهَا حَيْثُ شَاءَ مَعَ عِظَمِهَا فِي نَفْسِهَا. وَقَالَ الْمُبَرِّدُ:
الْإِبِلُ هُنَا هِيَ الْقِطَعُ الْعَظِيمَةُ مِنَ السَّحَابِ، وَهُوَ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَاللُّغَةِ. وَرُوِيَ عَنِ الْأَصْمَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَرَأَ خُلِقَتْ بِالتَّخْفِيفِ عَنَى بِهِ الْبَعِيرَ، وَمَنْ قَرَأَ بِالتَّشْدِيدِ عَنَى بِهِ السَّحَابَ. وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ أَيْ: رُفِعَتْ فَوْقَ الْأَرْضِ بِلَا عَمَدٍ عَلَى وَجْهٍ لَا يَنَالُهُ الْفَهْمُ وَلَا يُدْرِكُهُ الْعَقْلُ، وَقِيلَ: رُفِعَتْ فَلَا يَنَالُهَا شَيْءٌ وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ عَلَى الْأَرْضِ مُرْسَاةً رَاسِخَةً لَا تميد وَلَا تَزُولُ وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ أَيْ: بُسِطَتْ، وَالسَّطْحُ: بَسْطُ الشَّيْءِ، يُقَالُ: لِظَهْرِ الْبَيْتِ إِذَا كَانَ مُسْتَوِيًا: سَطْحٌ.
قَرَأَ الْجُمْهُورُ: سُطِحَتْ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ مُخَفَّفًا. وَقَرَأَ الْحَسَنُ: بِالتَّشْدِيدِ. وَقَرَأَ عليّ بن أبي طالب وابن السّميقع وَأَبُو الْعَالِيَةِ: خَلَقْتُ وَرَفَعْتُ وَنَصَبْتُ وَسَطَحْتُ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَضَمِّ التَّاءِ فِيهَا كُلِّهَا. ثُمَّ أَمَرَ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّذْكِيرِ فَقَالَ: فَذَكِّرْ وَالْفَاءُ لِتَرْتِيبِ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا، أَيْ: فَعِظْهُمْ يَا مُحَمَّدُ وَخَوِّفْهُمْ، ثُمَّ عَلَّلَ الْأَمْرَ بِالتَّذْكِيرِ فَقَالَ: إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ أَيْ: لَيْسَ عَلَيْكَ إِلَّا ذَلِكَ، ولَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ الْمُصَيْطِرُ وَالْمُسَيْطِرُ بِالسِّينِ وَالصَّادِ: الْمُسَلَّطُ عَلَى الشَّيْءِ لِيُشْرِفَ عَلَيْهِ وَيَتَعَهَّدَ أَحْوَالَهُ كَذَا فِي الصِّحَاحِ، أَيْ: لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ حَتَّى تُكْرِهَهُمْ عَلَى الْإِيمَانِ، وَهَذَا مَنْسُوخٌ بِآيَةِ السَّيْفِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ:
بِمُصَيْطِرٍ بِالصَّادِ، وَقَرَأَ هِشَامٌ وَقُنْبُلٌ فِي رِوَايَةٍ بِالسِّينِ. وَقَرَأَ خَلَفٌ بِإِشْمَامِ الصَّادِ زَايًا. وَقَرَأَ هَارُونُ الْأَعْوَرُ بِفَتْحِ الطَّاءِ اسْمَ مَفْعُولٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ: لَكِنْ مَنْ تَوَلَّى عَنِ الْوَعْظِ وَالتَّذْكِيرِ فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ وَهُوَ عَذَابُ جَهَنَّمَ الدَّائِمُ، وَقِيلَ: هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ مِنْ قَوْلِهِ: فَذَكِّرْ أَيْ: فَذَكِّرْ كُلَّ أَحَدٍ إِلَّا مَنِ انْقَطَعَ طَمَعُكَ عَنْ إِيمَانِهِ وَتَوَلَّى فَاسْتَحَقَّ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَإِنَّمَا قَالَ:
الْأَكْبَرَ لِأَنَّهُمْ قَدْ عُذِّبُوا فِي الدُّنْيَا بِالْجُوعِ وَالْقَحْطِ وَالْقَتْلِ وَالْأَسْرِ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: «فَإِنَّهُ يُعَذِّبُهُ اللَّهُ» وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ: «أَلَا مَنْ تَوَلَّى» عَلَى أَنَّهَا أَلَا الَّتِي لِلتَّنْبِيهِ وَالِاسْتِفْتَاحِ إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ أَيْ: رُجُوعَهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ، يُقَالُ آبَ يَؤُوبُ: إِذَا رَجَعَ، وَمِنْهُ قَوْلُ عبيد بن الأبرص:
وكلّ ذي غيبة يؤوب ... وَغَائِبُ الْمَوْتِ لَا يَؤُوبُ
قَرَأَ الْجُمْهُورُ: إِيابَهُمْ بِالتَّخْفِيفِ، وَقَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ بِالتَّشْدِيدِ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: لَا يَجُوزُ التَّشْدِيدُ وَلَوْ جَازَ لَجَازَ مِثْلُهُ فِي الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ، وَقِيلَ: هُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَأَمَّا إِيابَهُمْ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ فَإِنَّهُ شَاذٌّ لَمْ يُجِزْهُ أَحَدٌ غَيْرُ الزَّجَّاجِ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ يَعْنِي جَزَاءَهُمْ بعد رجوعهم إلى الله بالبعث، و «ثم» لِلتَّرَاخِي فِي الرُّتْبَةِ لِبُعْدِ مَنْزِلَةِ الْحِسَابِ فِي الشِّدَّةِ عَنْ مَنْزِلَةِ الْإِيَابِ.

نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 524
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست