responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 310
أَنَّهُ زَيَّنَهَا بِهَذِهِ الزِّينَةِ، فَصَارَتْ فِي أَحْسَنِ خَلْقٍ، وَأَكْمَلِ صُورَةٍ، وَأَبْهَجِ شَكْلٍ، وَالْمَجِيءُ بِالْقَسَمِ لِإِبْرَازِ كَمَالِ الْعِنَايَةِ، وَالْمَصَابِيحُ: جَمْعُ مِصْبَاحٍ، وَهُوَ السِّرَاجُ، وَسُمِّيَتِ الْكَوَاكِبُ مَصَابِيحَ لِأَنَّهَا تُضِيءُ كَإِضَاءَةِ السِّرَاجِ وَبَعْضُ الْكَوَاكِبِ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِ سَمَاءِ الدُّنْيَا مِنَ السَّمَاوَاتِ الَّتِي فَوْقَهَا، فَهِيَ تَتَرَاءَى كَأَنَّهَا كُلَّهَا فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا لِأَنَّ أَجْرَامَ السَّمَاوَاتِ لَا تَمْنَعُ مِنْ رُؤْيَةِ مَا فَوْقَهَا مِمَّا لَهُ إِضَاءَةٌ لِكَوْنِهَا أَجْرَامًا صَقِيلَةً شَفَّافَةً وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ أَيْ: وَجَعَلْنَا الْمَصَابِيحَ رُجُومًا يُرْجَمُ بِهَا الشَّيَاطِينُ، وَهَذِهِ فَائِدَةٌ أُخْرَى غَيْرُ الْفَائِدَةِ الْأُولَى وَهِيَ كَوْنُهَا زِينَةً لِلسَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالْمَعْنَى أَنَّهَا يُرْجَمُ بِهَا الشَّيَاطِينُ الَّذِينَ يَسْتَرِقُّونَ السَّمْعَ، وَالرُّجُومُ: جَمْعُ رَجْمٍ بِالْفَتْحِ، وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ أُطْلِقَ عَلَى الْمَرْجُومِ بِهِ، كَمَا فِي قَوْلِهِمْ: الدِّرْهَمُ ضَرْبُ الْأَمِيرِ، أَيْ: مَضْرُوبُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَاقِيًا عَلَى مَصْدَرِيَّتِهِ، وَيُقَدَّرُ مُضَافٌ مَحْذُوفٌ، أَيْ: ذَاتَ رَجْمٍ، وَجُمِعَ الْمَصْدَرُ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ.
وَقِيلَ: إِنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: وَجَعَلْناها رَاجِعٌ إِلَى الْمَصَابِيحِ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ: شُهُبَهَا، وَهِيَ نَارُهَا الْمُقْتَبَسَةُ مِنْهَا، لَا هِيَ أَنْفُسُهَا لِقَوْلِهِ: إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ
«1» وَوَجْهُ هَذَا أَنَّ الْمَصَابِيحَ الَّتِي زَيَّنَ اللَّهُ بِهَا السَّمَاءَ الدُّنْيَا لَا تَزُولُ وَلَا يُرْجَمُ بِهَا، كَذَا قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ جَوَابًا لِمَنْ سَأَلَهُ:
كَيْفَ تَكُونُ الْمَصَابِيحُ زِينَةً وَهِيَ رُجُومٌ؟ قَالَ الْقُشَيْرِيُّ: وَأَمْثَلُ مِنْ قَوْلِهِ هَذَا أَنْ نَقُولَ: هِيَ زِينَةٌ قَبْلَ أَنْ يُرْجَمَ بِهَا الشَّيَاطِينُ. قَالَ قَتَادَةُ: خَلَقَ اللَّهُ النُّجُومَ لِثَلَاثٍ: زِينَةً لِلسَّمَاءِ، وَرُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ، وَعَلَامَاتٍ يُهْتَدَى بِهَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ، فَمَنْ تَكَلَّمَ فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَقَدْ تَكَلَّمَ فِيمَا لَا يَعْلَمُ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ وَقِيلَ: مَعْنَى الْآيَةِ:
وَجَعَلْنَاهَا ظُنُونًا لِشَيَاطِينِ الْإِنْسِ، وَهُمُ الْمُنَجِّمُونَ. وَأَعْتَدْنا لَهُمْ عَذابَ السَّعِيرِ أَيْ: وَأَعْتَدْنَا لِلشَّيَاطِينِ فِي الْآخِرَةِ بَعْدَ الْإِحْرَاقِ فِي الدُّنْيَا بِالشُّهُبِ عَذَابَ السَّعِيرِ، أَيْ: عَذَابَ النَّارِ، وَالسَّعِيرُ: أَشَدُّ الْحَرِيقِ، يُقَالُ:
سُعِّرَتِ النَّارُ فَهِيَ مَسْعُورَةٌ. وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ مِنْ كُفَّارِ بَنِي آدَمَ، أَوْ مِنْ كُفَّارِ الْفَرِيقَيْنِ عَذابُ جَهَنَّمَ قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِرَفْعِ «عَذَابٌ» عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ «لِلَّذِينَ كَفَرُوا» . وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ وَالْأَعْرَجُ بِنَصْبِهِ عَطْفًا عَلَى «عَذَابَ السَّعِيرِ» وَبِئْسَ الْمَصِيرُ مَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ، وَهُوَ جَهَنَّمُ إِذا أُلْقُوا فِيها أَيْ: طُرِحُوا فِيهَا كَمَا يُطْرَحُ الْحَطَبُ فِي النَّارِ سَمِعُوا لَها شَهِيقاً أَيْ: صَوْتًا كَصَوْتِ الْحَمِيرِ عِنْدَ أَوَّلِ نَهِيقِهَا، وَهُوَ أَقْبَحُ الْأَصْوَاتِ، وَقَوْلُهُ: لَها فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَيْ: كَائِنًا لَهَا لِأَنَّهُ فِي الْأَصْلِ صِفَةٌ، فَلَمَّا قُدِّمَتْ صَارَتْ حَالًا. وَقَالَ عَطَاءٌ: الشَّهِيقُ هُوَ مِنَ الْكُفَّارِ عِنْدَ إِلْقَائِهِمْ فِي النَّارِ، وَجُمْلَةُ وَهِيَ تَفُورُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ: أَيْ وَالْحَالُ أَنَّهَا تَغْلِي بِهِمْ غَلَيَانَ الْمِرْجَلِ، وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانَ:
تركتم قدركم لا شيء فيها وقدر الغير [2] حَامِيَةٌ تَفُورُ تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ أَيْ: تَكَادُ تَتَقَطَّعُ وَيَنْفَصِلُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ مِنْ تَغَيُّظِهَا عَلَيْهِمْ. قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ:
تَكَادُ تَنْشَقُّ غَيْظًا عَلَى الْكُفَّارِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ: «تَمَيَّزُ» بِتَاءٍ وَاحِدَةٍ مُخَفَّفَةٍ، وَالْأَصْلُ تَتَمَيَّزُ بِتَاءَيْنِ. وَقَرَأَ طَلْحَةُ بِتَاءَيْنِ عَلَى الْأَصْلِ. وَقَرَأَ الْبَزِّيُّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ بِتَشْدِيدِهَا بِإِدْغَامِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِي الْأُخْرَى. وقرأ الضحاك:

(1) . الصافات: 10.
[2] في تفسير القرطبي: القوم.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 310
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست