responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 254
وَكَرَّرَ هَذَا لِلْمُبَالَغَةِ وَالتَّأْكِيدِ، وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا نزل بعد الأوّل بمدّة لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ «لَكُمْ» بَدَلُ بَعْضٍ مِنْ كَلِّ، وَالْمَعْنَى: أَنَّ هَذِهِ الْأُسْوَةَ إِنَّمَا تَكُونُ لِمَنْ يَخَافُ اللَّهَ وَيَخَافُ عِقَابَ الْآخِرَةِ، أَوْ يَطْمَعُ فِي الْخَيْرِ مِنَ اللَّهِ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ أَيْ:
يُعْرِضُ عَنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ عَنْ خَلْقِهِ، الْحَمِيدُ إِلَى أَوْلِيَائِهِ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَذَلِكَ بِأَنْ يُسْلِمُوا فَيَصِيرُوا مِنْ أَهْلِ دِينِكُمْ، وَقَدْ أَسْلَمَ قَوْمٌ مِنْهُمْ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَحَسُنَ إِسْلَامُهُمْ، وَوَقَعَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَنْ تَقَدَّمَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ مَوَدَّةٌ، وَجَاهَدُوا، وَفَعَلُوا الْأَفْعَالَ الْمُقَرِّبَةَ إِلَى اللَّهِ، وَقِيلَ:
الْمُرَادُ بِالْمَوَدَّةِ هُنَا تَزْوِيجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُمِّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ. وَلَا وَجْهَ لِهَذَا التَّخْصِيصِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا صَارَ سَبَبًا إِلَى الْمَوَدَّةِ، فَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ بَعْدَ ذَلِكَ تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْعَدَاوَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهَا لَمْ تَحْصُلِ الْمَوَدَّةُ إِلَّا بِإِسْلَامِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ وَمَا بَعْدَهُ، وَاللَّهُ قَدِيرٌ أَيْ: بَلِيغُ الْقُدْرَةِ كَثِيرُهَا، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ أَيْ: بَلِيغُهُمَا، كَثِيرُهُمَا. ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ سُبْحَانَهُ مَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ مُعَادَاةِ الْكُفَّارِ وَتَرْكِ مُوَادَّتِهِمْ فَصَّلَ الْقَوْلَ فِيمَنْ يَجُوزُ بِرُّهُ مِنْهُمْ وَمَنْ لَا يَجُوزُ، فَقَالَ: لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَيْ: لَا يَنْهَاكُمْ عَنْ هَؤُلَاءِ أَنْ تَبَرُّوهُمْ هَذَا بَدَلٌ مِنَ الْمَوْصُولِ بَدَلُ اشْتِمَالٍ، وَكَذَا قَوْلُهُ: وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ يُقَالُ: أَقَسَطْتُ إِلَى الرَّجُلِ إِذَا عَامَلْتَهُ بِالْعَدْلِ. قَالَ الزَّجَّاجُ:
الْمَعْنَى: وَتَعْدِلُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْوَفَاءِ بِالْعَهْدِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ أَيِ: الْعَادِلِينَ وَمَعْنَى الْآيَةِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَا يَنْهَى عَنْ بِرِّ أَهْلِ الْعَهْدِ مِنَ الْكُفَّارِ الَّذِينَ عَاهَدُوا الْمُؤْمِنِينَ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ، وَعَلَى أَنْ لَا يُظَاهِرُوا الْكُفَّارَ عَلَيْهِمْ، وَلَا يَنْهَى عَنْ مُعَامَلَتِهِمْ بِالْعَدْلِ. قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: كَانَ هَذَا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ عِنْدَ الْمُوَادَعَةِ وَتَرْكِ الْأَمْرِ بِالْقِتَالِ، ثُمَّ نُسِخَ. قَالَ قَتَادَةُ: نَسَخَتْهَا: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ [1] وَقِيلَ:
هَذَا الْحُكْمُ كَانَ ثَابِتًا فِي الصُّلْحِ بَيْنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، فَلَمَّا زَالَ الصُّلْحُ بِفَتْحِ مَكَّةَ نُسِخَ الْحُكْمُ. وَقِيلَ:
هِيَ خَاصَّةٌ فِي حُلَفَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَهْدٌ، قَالَهُ الْحَسَنُ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: هُمْ خُزَاعَةُ وبنو الحارث ابن عَبْدِ مَنَافٍ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ خَاصَّةٌ فِي الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا، وَقِيلَ: هِيَ خَاصَّةٌ بِالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ.
وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ عَنْ أَكْثَرِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ مَنْ لَا يَحِلُّ بِرُّهُ وَلَا الْعَدْلُ فِي مُعَامَلَتِهِ فَقَالَ:
إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَهُمْ صَنَادِيدُ الْكُفْرِ مِنْ قُرَيْشٍ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَيْ: عَاوَنُوا الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَهُمْ سَائِرُ أهل مكة من دَخَلَ مَعَهُمْ فِي عَهْدِهِمْ، وَقَوْلُهُ: أَنْ تَوَلَّوْهُمْ بَدَلُ اشْتِمَالٍ مِنَ الْمَوْصُولِ كَمَا سَلَفَ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ أَيِ: الْكَامِلُونَ فِي الظُّلْمِ لِأَنَّهُمْ تَوَلَّوْا مَنْ يَسْتَحِقُّ الْعَدَاوَةَ لِكَوْنِهِ عَدُوًّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِكِتَابِهِ، وَجَعَلُوهُمْ أَوْلِيَاءَ لَهُمْ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ قَالَ: نهوا أن يتأسوا

[1] التوبة: 5.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 254
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست