responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 137
لِلنَّهْيِ، أَيْ: هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى عُقُوبَةَ اللَّهِ وَأَخْلَصَ الْعَمَلَ لَهُ. قَالَ الْحَسَنُ: وَقَدْ عَلِمَ سُبْحَانَهُ مِنْ كُلِّ نَفْسٍ مَا هِيَ عَامِلَةٌ، وَمَا هِيَ صَانِعَةٌ، وَإِلَى مَا هِيَ صَائِرَةٌ. ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ جَهَالَةَ الْمُشْرِكِينَ على العمون خَصَّ بِالذَّمِّ بَعْضَهُمْ، فَقَالَ: أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى أَيْ: تَوَلَّى عَنِ الْخَيْرِ، وَأَعْرَضَ عَنِ اتِّبَاعِ الْحَقِّ وَأَعْطى قَلِيلًا وَأَكْدى أَيْ: أَعْطَى عَطَاءً قليلا، وأعطى شَيْئًا قَلِيلًا، وَقَطَعَ ذَلِكَ وَأَمْسَكَ عَنْهُ، وَأَصْلُ أَكْدَى مِنَ الْكُدْيَةِ وَهِيَ الصَّلَابَةُ، يُقَالُ: لِمَنْ حَفَرَ بِئْرًا ثُمَّ بَلَغَ فِيهَا إِلَى حَجَرٍ لَا يَتَهَيَّأُ لَهُ فِيهِ حَفْرٌ: قَدْ أَكْدَى، ثُمَّ اسْتَعْمَلَتْهُ الْعَرَبُ لِمَنْ أَعْطَى فَلَمْ يُتِمَّ، وَلِمَنْ طَلَبَ شَيْئًا فَلَمْ يَبْلُغْ آخِرَهُ، وَمِنْهُ قول الحطيئة:
فأعطى قليلا ثم أكدى عطاءه ... وَمَنْ يَبْذُلِ الْمَعْرُوفَ فِي النَّاسِ يُحْمَدِ
قَالَ الكسائي وأبو زيد: [أكدى الحافر وأجبل: إذا بلغ في حفره كدية أو جبلا، فلا يمكنه أن يحفر.
وحفر فأكدى: إذا بلغ إلى الصّلب] [1] . وَيُقَالُ: كَدِيَتْ أَصَابِعُهُ: إِذَا مَحَلَتْ [2] مِنَ الْحَفْرِ، وكديت يَدُهُ: إِذَا كَلَّتْ فَلَمْ تَعْمَلْ شَيْئًا، وَكَدَتِ الْأَرْضُ: إِذَا قَلَّ نَبَاتُهَا، وَأَكْدَيْتُ الرَّجُلَ عَنِ الشَّيْءِ رَدَدْتُهُ، وَأَكْدَى الرَّجُلُ: إِذَا قَلَّ خَيْرُهُ. قَالَ الْفَرَّاءُ: مَعْنَى الْآيَةِ: أَمْسَكَ مِنَ الْعَطِيَّةِ وقطع. وقال المبرد: منعه مَنْعًا شَدِيدًا.
قَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ وَمُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي الْوَلِيدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَكَانَ قَدِ اتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى دِينِهِ، فَعَيَّرَهُ بَعْضُ الْمُشْرِكِينَ فَتَرَكَ وَرَجَعَ إِلَى شِرْكِهِ. قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَ الْوَلِيدُ مَدَحَ الْقُرْآنَ، ثُمَّ أَمْسَكَ عَنْهُ فَأَعْطَى قَلِيلًا مِنْ لِسَانِهِ مِنَ الْخَيْرِ ثُمَّ قَطَعَهُ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: نَزَلَتْ فِي النَّضِرِ بْنِ الْحَارِثِ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ الْقُرَظِيُّ: نَزَلَتْ فِي أَبِي جَهْلٍ. أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى الِاسْتِفْهَامُ لِلتَّقْرِيعِ وَالتَّوْبِيخِ، وَالْمَعْنَى: أَعْنَدَ هَذَا الْمُكْدِي عِلْمُ مَا غاب عنه أَمْرِ الْعَذَابِ، فَهُوَ يَعْلَمُ ذَلِكَ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى - وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَيْ: أَلَمْ يُخْبَرْ وَلَمْ يُحَدَّثْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى؟ يَعْنِي أَسْفَارَهُ، وَهِيَ التَّوْرَاةُ، وَبِمَا فِي صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى، أَيْ: تَمَّمَ وَأَكْمَلَ مَا أُمِرَ بِهِ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: أَيْ: بَلَّغَ قَوْمَهُ مَا أُمِرَ بِهِ وَأَدَّاهُ إِلَيْهِمْ، وَقِيلَ: بَالَغَ فِي الْوَفَاءِ بِمَا عَاهَدَ اللَّهَ عَلَيْهِ. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ مَا فِي صُحُفِهِمَا فَقَالَ: أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى أَيْ: لَا تَحْمِلُ نَفْسٌ حَامِلَةٌ حِمْلَ نَفْسٍ أُخْرَى، وَمَعْنَاهُ: لَا تُؤْخَذُ نَفْسٌ بِذَنْبِ غَيْرِهَا، وَ «إِنْ» هِيَ الْمُخَفَّفَةُ مِنَ الثَّقِيلَةِ، وَاسْمُهَا ضَمِيرُ شَأْنٍ مُقَدَّرٌ، وَخَبَرُهَا الْجُمْلَةُ بَعْدَهَا، وَمَحَلُّ الْجُمْلَةِ الْجَرُّ عَلَى أَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ صُحُفِ مُوسَى وَصُحُفِ إِبْرَاهِيمَ، أَوِ الرَّفْعُ عَلَى أَنَّهَا خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا مَا سَعى عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ: أَلَّا تَزِرُ وَهَذَا أَيْضًا مِمَّا فِي صُحُفِ مُوسَى، وَالْمَعْنَى: لَيْسَ لَهُ إِلَّا أَجْرُ سَعْيِهِ وَجَزَاءُ عَمَلِهِ، وَلَا يَنْفَعُ أَحَدًا عَمَلُ أَحَدٍ، وَهَذَا الْعُمُومُ مَخْصُوصٌ بِمِثْلِ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ [3] ، وَبِمِثْلِ مَا وَرَدَ فِي شَفَاعَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمَلَائِكَةِ لِلْعِبَادِ وَمَشْرُوعِيَّةِ دُعَاءِ الْأَحْيَاءِ لِلْأَمْوَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ،

[1] من تفسير القرطبي (11/ 112) .
[2] في تفسير القرطبي: كلّت.
[3] الطور: 21.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 137
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست