responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 135
وَلَا يَلْتَفِتُونَ إِلَى سِوَاهُ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: أَيْ: ذَلِكَ قَدْرُ عُقُولِهِمْ وَنِهَايَةُ عِلْمِهِمْ أَنْ آثَرُوا الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، وَقِيلَ: الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى جَعْلِهِمْ لِلْمَلَائِكَةِ بَنَاتِ اللَّهِ، وَتَسْمِيَتِهِمْ لَهُمْ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَالْمُرَادُ بِالْعِلْمِ هَنَا مُطْلَقُ الْإِدْرَاكِ الَّذِي يَنْدَرِجُ تَحْتَهُ الظَّنُّ الْفَاسِدُ، وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِتَقْرِيرِ جَهْلِهِمْ وَاتِّبَاعِهِمْ مُجَرَّدَ الظَّنِّ. وَقِيلَ: مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْمُعَلَّلِ وَالْعِلَّةِ، وَهِيَ قَوْلُهُ: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى فَإِنَّ هَذَا تَعْلِيلٌ لِلْأَمْرِ بِالْإِعْرَاضِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ بِمَنْ حَادَ عَنِ الْحَقِّ، وَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَلَمْ يَهْتَدِ إِلَيْهِ، وَأَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى فَقَبِلَ الْحَقَّ وَأَقْبَلَ إِلَيْهِ وَعَمِلَ بِهِ، فَهُوَ مُجَازٍ كُلَّ عَامِلٍ بِعَمَلِهِ، إِنْ خَيْرًا فَخَيْرٌ، وَإِنْ شَرًّا فَشَرٌّ. وَفِيهِ تَسْلِيَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِرْشَادٌ لَهُ بأنه لَا يُتْعِبَ نَفْسَهُ فِي دَعْوَةِ مَنْ أَصَرَّ عَلَى الضَّلَالَةِ وَسَبَقَتْ لَهُ الشَّقَاوَةُ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ عَلِمَ حَالَ هَذَا الْفَرِيقِ الضَّالِّ كَمَا عَلِمَ حَالَ الْفَرِيقِ الرَّاشِدِ. ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ عَنْ سَعَةِ قُدْرَتِهِ وَعَظِيمِ مُلْكِهِ، فَقَالَ: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَيْ: هُوَ الْمَالِكُ لِذَلِكَ وَالْمُتَصَرِّفُ فِيهِ لَا يُشَارِكُهُ فيه أحد، واللام في لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا مُتَعَلِّقَةٌ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، كَأَنَّهُ قَالَ: هُوَ مَالِكُ ذَلِكَ، يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ لِيَجْزِيَ الْمُسِيءَ بِإِسَاءَتِهِ وَالْمُحْسِنَ بِإِحْسَانِهِ. وَقِيلَ: إِنَّ قَوْلُهُ: وَلِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مُعْتَرِضَةٌ، وَالْمَعْنَى: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى لِيَجْزِيَ. وَقِيلَ: هِيَ لَامُ الْعَاقِبَةِ، أَيْ: وَعَاقِبَةُ أَمْرِ الْخَلْقِ الَّذِينَ فِيهِمُ الْمُحْسِنُ وَالْمُسِيءُ أَنْ يَجْزِيَ اللَّهُ كُلًّا مِنْهُمَا بِعَمَلِهِ. وَقَالَ مَكِّيٌّ: إِنَّ اللَّامَ مُتَعَلِّقَةٌ بِقَوْلِهِ: لَا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ وَهُوَ بَعِيدٌ مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى. قَرَأَ الجمهور لِيَجْزِيَ بالتحتية. وقرأ زيد ابن عَلِيٍّ بِالنُّونِ، وَمَعْنَى بِالْحُسْنَى أَيْ: بِالْمَثُوبَةِ الْحُسْنَى وَهِيَ الْجَنَّةُ، أَوْ بِسَبَبِ أَعْمَالِهِمُ الْحُسْنَى، ثُمَّ وَصَفَ هَؤُلَاءِ الْمُحْسِنِينَ فَقَالَ: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ فَهَذَا
الْمَوْصُولُ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ نَعْتٌ لِلْمَوْصُولِ الْأَوَّلِ فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ أَحْسَنُوا وَقِيلَ بَدَلٌ مِنْهُ، وَقِيلَ بَيَانٌ لَهُ، وَقِيلَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَدْحِ بِإِضْمَارِ أَعْنِي، أو في رَفْعٍ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: هُمْ الذين يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ:
كَبائِرَ عَلَى الْجَمْعِ. وَقَرَأَ حَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَالْأَعْمَشُ وَيَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ كَبِيرَ عَلَى الْإِفْرَادِ، وَالْكَبَائِرُ:
كُلُّ ذَنْبٍ تَوَعَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالنَّارِ، أَوْ ذَمَّ فَاعِلَهُ ذَمًّا شَدِيدًا، وَلِأَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَحْقِيقِ الْكَبَائِرِ كَلَامٌ طَوِيلٌ. وَكَمَا اخْتَلَفُوا فِي تَحْقِيقِ مَعْنَاهَا وَمَاهِيَّتِهَا اخْتَلَفُوا فِي عَدَدِهَا، وَالْفَوَاحِشُ: جُمَعُ فَاحِشَةٍ، وَهِيَ مَا فَحُشَ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ كَالزِّنَا وَنَحْوِهِ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: كَبَائِرُ الْإِثْمِ كُلُّ ذَنْبٍ خُتِمَ بِالنَّارِ، وَالْفَوَاحِشُ: كُلُّ ذَنْبِ فِيهِ الْحَدُّ. وَقِيلَ:
الْكَبَائِرُ: الشِّرْكُ، وَالْفَوَاحِشُ: الزِّنَا، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ النِّسَاءِ مَا هُوَ أَبْسَطُ مِنْ هَذَا وَأَكْثَرُ فَائِدَةً، وَالِاسْتِثْنَاءُ بِقَوْلِهِ: إِلَّا اللَّمَمَ مُنْقَطِعٌ [1] . وَأَصْلُ اللَّمَمِ فِي اللُّغَةِ مَا قَلَّ وصغر، منه: أَلَمَّ بِالْمَكَانِ قَلَّ لُبْثُهُ فِيهِ، وَأَلَمَّ بِالطَّعَامِ قَلَّ أَكْلُهُ مِنْهُ، قَالَ الْمُبَرِّدُ: أَصْلُ اللَّمَمِ أَنْ تُلِمَّ بِالشَّيْءِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَرْكَبَهُ. يُقَالُ: أَلَمَّ بِكَذَا إِذَا قَارَبَهُ وَلَمْ يُخَالِطْهُ. قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: الْعَرَبُ تَسْتَعْمِلُ الْإِلْمَامَ فِي مَعْنَى الدنوّ والقرب، ومنه قول جرير:

[1] في تفسير القرطبي (17/ 108) : متصل.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 5  صفحه : 135
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست