responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 81
أَنَّ مَنْ لَا يَرْجُو الثَّوَابَ لَا يَخَافُ الْعِقَابَ لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَيْ: هَلَّا أُنْزِلُوا عَلَيْنَا فَيُخْبِرُونَا أَنَّ مُحَمَّدًا صَادِقٌ، أَوْ هَلَّا أُنْزِلُوا عَلَيْنَا رُسُلًا يُرْسِلُهُمُ اللَّهُ أَوْ نَرى رَبَّنا عِيَانًا فَيُخْبِرُنَا بِأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولٌ.
ثم أجاب سبحانه عن شبههم هَذِهِ فَقَالَ: لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً أَيْ: أَضْمَرُوا الِاسْتِكْبَارَ عَنِ الْحَقِّ وَالْعِنَادِ فِي قُلُوبِهِمْ كَمَا فِي قَوْلِهِ: إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبالِغِيهِ [1] وَالْعُتُوُّ: مُجَاوَزَةُ الْحَدِّ فِي الطُّغْيَانِ وَالْبُلُوغُ إِلَى أَقْصَى غَايَاتِهِ، وَوَصْفِهِ بِالْكِبَرِ لِكَوْنِ التَّكَلُّمِ بِمَا تَكَلَّمُوا بِهِ مِنْ هَذِهِ الْمَقَالَةِ الشَّنِيعَةِ فِي غَايَةِ الْكِبَرِ وَالْعِظَمِ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكْتَفُوا بِإِرْسَالِ الْبَشَرِ حَتَّى طَلَبُوا إِرْسَالَ الْمَلَائِكَةِ إِلَيْهِمْ، بَلْ جَاوَزُوا ذَلِكَ إِلَى التَّخْيِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مُخَاطَبَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَرُؤْيَتِهِ فِي الدُّنْيَا مِنْ دُونِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، وَلَقَدْ بَلَغَ هَؤُلَاءِ الرَّذَالَةُ بِأَنْفُسِهِمْ مَبْلَغًا هِيَ أَحْقَرُ وَأَقَلُّ وَأَرْذَلُ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ تُعَدَّ مِنَ الْمُسْتَعِدِّينَ لَهُ، وَهَكَذَا مَنْ جَهِلَ قَدْرَ نَفْسِهِ، وَلَمْ يَقِفْ عِنْدَ حَدِّهِ، وَمَنْ جهلت نفسه قدره رأى غيره منه لَا يَرَى، وَانْتِصَابُ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ: وَاذْكُرْ يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ رُؤْيَةً لَيْسَتْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي طَلَبُوهُ وَالصُّورَةِ الَّتِي اقْتَرَحُوهَا، بَلْ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ يَوْمُ ظُهُورِهِمْ لَهُمْ عِنْدَ الْمَوْتِ أَوْ عِنْدَ الْحَشْرِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ انْتِصَابُ هَذَا الظَّرْفِ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لَا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ أَيْ: يُمْنَعُونَ الْبُشْرَى يَوْمَ يَرَوْنَ، أَوْ لَا تُوجَدُ لَهُمْ بُشْرَى فِيهِ، فَأَعْلَمَ سُبْحَانَهُ بِأَنَّ الْوَقْتَ الَّذِي يَرَوْنَ فِيهِ الْمَلَائِكَةَ، وَهُوَ وَقْتُ الْمَوْتِ، أَوْ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قَدْ حَرَمَهُمُ اللَّهُ الْبُشْرَى. قَالَ الزَّجَّاجُ: الْمُجْرِمُونَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الذي اجْتَرَمُوا الْكُفْرَ بِاللَّهِ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً أَيْ: وَيَقُولُ الْكُفَّارُ عِنْدَ مُشَاهَدَتِهِمْ لِلْمَلَائِكَةِ حِجْرًا مَحْجُورًا، وَهَذِهِ كَلِمَةٌ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ بِهَا عِنْدَ لِقَاءِ عَدُوٍّ وَهُجُومِ نَازِلَةٍ يَضَعُونَهَا مَوْضِعَ الِاسْتِعَاذَةِ، يُقَالُ لِلرَّجُلِ: أَتَفْعَلُ كَذَا، فَيَقُولُ: حِجْرًا مَحْجُورًا، أَيْ: حَرَامًا عَلَيْكَ التَّعَرُّضُ لِي. وَقِيلَ: إِنَّ هَذَا مِنْ قَوْلِ الْمَلَائِكَةِ، أَيْ: يَقُولُونَ لِلْكُفَّارِ: حَرَامًا مُحَرَّمًا أَنْ يَدْخُلَ أَحَدُكُمُ الْجَنَّةَ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
أَلَا أَصْبَحَتْ أَسْمَاءُ حِجْرًا مُحَرَّمًا ... وأصبحت من أدنى حموّتها حما «2»
أَيْ: أَصْبَحَتْ أَسْمَاءُ حَرَامًا مُحَرَّمًا، وَقَالَ آخَرُ:
حَنَّتْ إِلَى النَّخْلَةِ الْقُصْوَى فَقُلْتُ لَهَا ... حِجْرٌ حَرَامٌ إِلَّا تِلْكَ الدَّهَارِيسُ
وَقَدْ ذَكَرَ سِيبَوَيْهِ فِي بَابِ الْمَصَادِرِ الْمَنْصُوبَةِ بِأَفْعَالٍ مَتْرُوكٌ إِظْهَارُهَا هَذِهِ الْكَلِمَةَ، وَجَعَلَهَا مِنْ جُمْلَتِهَا وَقَدِمْنا إِلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً هَذَا وَعِيدٌ آخَرُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَعْمَلُونَ أَعْمَالًا لَهَا صُورَةُ الْخَيْرِ: مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَإِغَاثَةِ الْمَلْهُوفِ وَإِطْعَامِ الطَّعَامِ وَأَمْثَالِهَا، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنَ الْإِثَابَةِ عَلَيْهَا إِلَّا الْكُفْرُ الَّذِي هُمْ عَلَيْهِ، فَمُثِّلَتْ حَالُهُمْ وَأَعْمَالُهُمْ بِحَالِ قَوْمٍ خَالَفُوا سُلْطَانَهُمْ وَاسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ فَقَدِمَ إِلَى مَا مَعَهُمْ مِنَ الْمَتَاعِ فَأَفْسَدَهُ وَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهَا شَيْئًا، وَإِلَّا فَلَا قُدُومَ هَاهُنَا. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: مَعْنَى قَدِمْنَا عَمَدْنَا وَقَصَدْنَا، يُقَالُ: قَدِمَ فُلَانٌ إِلَى أَمْرِ كَذَا إِذَا قَصَدَهُ أَوْ عَمَدَهُ، وَمِنْهُ قول الشاعر:

[1] فاطر: 56.
(2) . قاله رجل كانت له امرأة فطلقها وتزوجها أخوه، أي: أصبحت أخا زوجها بعد ما كنت زوجها.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 81
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست