responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 55
إِنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ، فَالْأَوَّلُ: نَهْيٌ بِطْرِيقِ الرَّدِّ وَالتَّوْبِيخِ، وَالثَّانِي: أَمْرٌ بِطَرِيقِ التَّكْلِيفِ لَهُمْ، وَالْإِيجَابِ عَلَيْهِمْ فَإِنْ تَوَلَّوْا خِطَابٌ لِلْمَأْمُورِينَ، وَأَصْلُهُ فَإِنْ تَتَوَلَّوْا فَحَذَفَ إِحْدَى التَّاءَيْنِ تَخْفِيفًا، وَفِيهِ رُجُوعٌ مِنَ الْخِطَابِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْخِطَابِ لَهُمْ لِتَأْكِيدِ الْأَمْرِ عَلَيْهِمْ، وَالْمُبَالَغَةِ فِي الْعِنَايَةِ بِهِدَايَتِهِمْ إِلَى الطَّاعَةِ وَالِانْقِيَادِ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ قَوْلُهُ: فَإِنَّما عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ أَيْ: فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى النبي صلّى الله عليه وَسَلَّمَ مَا حُمِّلَ مِمَّا أُمِرَ بِهِ مِنَ التَّبْلِيغِ وَقَدْ فَعَلَ، وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ، أَيْ: مَا أُمِرْتُمْ بِهِ مِنَ الطَّاعَةِ، وَهُوَ وَعِيدٌ لَهُمْ، كَأَنَّهُ قَالَ لَهُمْ: فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَقَدْ صِرْتُمْ حَامِلِينَ لِلْحِمْلِ الثَّقِيلِ وَإِنْ تُطِيعُوهُ فِيمَا أَمَرَكُمْ بِهِ وَنَهَاكُمْ عَنْهُ تَهْتَدُوا إِلَى الْحَقِّ وَتَرْشُدُوا إِلَى الْخَيْرِ وَتَفُوزُوا بِالْأَجْرِ، وَجُمْلَةُ وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا، وَاللَّامُ: إِمَّا لِلْعَهْدِ، فَيُرَادُ بِالرَّسُولِ نَبِيُّنَا صلّى الله عليه وَسَلَّمَ، وَإِمَّا لِلْجِنْسِ، فَيُرَادُ كُلُّ رَسُولٍ، وَالْبَلَاغُ الْمُبِينُ: التَّبْلِيغُ الْوَاضِحُ، أَوِ الْمُوَضَّحُ قِيلَ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ: فَإِنْ تَوَلَّوْا مَاضِيًا وَتَكُونُ الْوَاوُ لِضَمِيرِ الْغَائِبِينَ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ مِمَّا أُمِرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يقول لَهُمْ، وَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ الْتِفَاتٌ مِنَ الْخِطَابِ إِلَى الْغَيْبَةِ، وَالْأَوَّلُ أَرْجَحُ. وَيُؤَيِّدُهُ الْخِطَابُ فِي قَوْلِهِ: وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَفِي قَوْلِهِ: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قِرَاءَةُ الْبَزِّيِّ فَإِنْ تَوَلَّوْا بِتَشْدِيدِ التَّاءِ، وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً لِمَا فِيهَا مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ سَاكِنِينَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُقَرِّرَةٌ لِمَا قَبْلَهَا مِنْ أَنَّ طَاعَتَهُمْ لِرَسُولِ الله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ سَبَبٌ لِهِدَايَتِهِمْ، وَهَذَا وَعْدٌ مِنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ لِمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، وَعَمِلَ الْأَعْمَالَ الصَّالِحَاتِ بِالِاسْتِخْلَافِ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ، وَهُوَ وَعْدٌ يَعُمُّ جَمِيعَ الْأُمَّةِ. وَقِيلَ: هُوَ خَاصٌّ بِالصَّحَابَةِ، وَلَا وَجْهَ لِذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِيمَانَ وَعَمَلَ الصَّالِحَاتِ لَا يختص بهم، بل يمكن وُقُوعُ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَمَنْ عَمِلَ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَاللَّامُ فِي لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ جَوَابٌ لِقَسَمٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ جَوَابٌ لِلْوَعْدِ بِتَنْزِيلِهِ مَنْزِلَةَ الْقَسَمِ، لِأَنَّهُ نَاجِزٌ لَا مَحَالَةَ، وَمَعْنَى لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ: لَيَجْعَلَنَّهُمْ فِيهَا خُلَفَاءَ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلُوكِ فِي مَمْلُوكَاتِهِمْ، وَقَدْ أَبْعَدَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا مُخْتَصَّةٌ بِالْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ، أَوْ بِالْمُهَاجِرِينَ، أَوْ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَرْضِ أَرْضُ مَكَّةَ، وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ
كُلُّ مَنِ اسْتَخْلَفَهُ اللَّهُ فِي أَرْضِهِ فَلَا يُخَصُّ ذَلِكَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا أُمَّةٍ مِنَ الْأُمَمِ دُونَ غَيْرِهَا. قَرَأَ الْجُمْهُورُ كَمَا اسْتَخْلَفَ بِفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ.
وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ وَأَبُو بَكْرٍ وَالْمُفَضَّلُ عَنْ عَاصِمٍ بِضَمِّهَا عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ، وَمَحَلُّ الْكَافِ النَّصْبُ عَلَى الْمَصْدَرِيَّةِ، أَيْ: اسْتِخْلَافًا كَمَا اسْتَخْلَفَ، وَجُمْلَةُ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ مَعْطُوفَةٌ عَلَى لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ دَاخِلَةٌ تَحْتَ حُكْمِهِ كَائِنَةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْجَوَابِ، وَالْمُرَادُ بِالتَّمْكِينِ هُنَا: التَّثْبِيتُ وَالتَّقْرِيرُ، أَيْ: يَجْعَلُهُ اللَّهُ ثابتا مقرّرا يوسع لَهُمْ فِي الْبِلَادِ، وَيُظْهِرُ دِينَهُمْ عَلَى جَمِيعِ الْأَدْيَانِ، وَالْمُرَادُ بِالدِّينِ هُنَا: الْإِسْلَامُ، كَمَا فِي قوله: وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [1] ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الِاسْتِخْلَافَ لَهُمْ أَوَّلًا، وَهُوَ جَعْلُهُمْ مُلُوكًا وَذَكَرَ التَّمْكِينَ ثَانِيًا، فَأَفَادَ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْمُلْكَ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْعُرُوضِ والطروّ، بل على وجه الاستقرار والثبات،

[1] المائدة: 3.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 55
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست