responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 539
أَبَى هَذَا التَّفَضُّلَ الْعَظِيمَ وَالْعَطَاءَ الْجَسِيمَ وَظَنَّ أَنَّ تَقْنِيطَ عِبَادِ اللَّهِ وَتَأْيِيسَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ أَوْلَى بِهِمْ مِمَّا بَشَّرَهُمُ اللَّهُ بِهِ فَقَدْ رَكِبَ أَعْظَمَ الشَّطَطِ وَغَلِطَ أَقْبَحَ الْغَلَطِ، فَإِنَّ التَّبْشِيرَ وَعَدَمَ التَّقْنِيطِ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ مَوَاعِيدُ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ، وَالْمَسْلَكَ الَّذِي سَلَكَهُ رسوله صلّى الله عليه وَسَلَّمَ كَمَا صَحَّ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ: «يَسِّرُّوا وَلَا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا» .
وَإِذَا تَقَرَّرَ لَكَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَةِ وَبَيْنَ قَوْلُهُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ هو أَنَّ كُلَّ ذَنْبٍ كَائِنًا مَا كَانَ مَا عَدَا الشِّرْكَ بِاللَّهِ مَغْفُورٌ لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ، عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ إِخْبَارَهُ لَنَا بِأَنَّهُ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَشَاءُ غُفْرَانَهَا جَمِيعًا، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ يَشَاءُ الْمَغْفِرَةَ لِكُلِّ الْمُذْنِبِينَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَبْقَ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ تَعَارُضٌ مِنْ هَذِهِ الْحَيْثِيَّةِ. وَأَمَّا مَا يَزْعُمُهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ تَقْيِيدِ هَذِهِ الْآيَةِ بِالتَّوْبَةِ وَأَنَّهَا لَا تَغْفِرُ إِلَّا ذُنُوبَ التَّائِبِينَ وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَالُوا ذَلِكَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْآيَاتِ. فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الضَّبِّ وَالنُّونِ، وَبَيْنَ الْمَلَّاحِ وَالْحَادِي، وَعَلَى نَفْسِهَا بَرَاقِشُ تَجْنِي، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْبِشَارَةُ الْعَظِيمَةُ مُقَيَّدَةً بِالتَّوْبَةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَثِيرُ مَوْقِعٍ، فَإِنَّ التَّوْبَةَ مِنَ الْمُشْرِكِ يَغْفِرُ الله بِهَا مَا فَعَلَهُ مِنَ الشِّرْكِ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ فَلَوْ كَانَتِ التَّوْبَةُ قَيْدًا فِي الْمَغْفِرَةِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الشِّرْكِ فَائِدَةٌ، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ [1] قَالَ الْوَاحِدِيُّ: الْمُفَسِّرُونَ كُلُّهُمْ قَالُوا: إِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي قَوْمٍ خَافُوا إِنْ أَسْلَمُوا أَنْ لَا يَغْفِرَ لَهُمْ مَا جَنَوْا مِنَ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ، كَالشِّرْكِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَمُعَادَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وَسَلَّمَ.
قُلْتُ: هَبْ أَنَّهَا فِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ، فَكَانَ مَاذَا؟ فَإِنَّ الِاعْتِبَارَ بِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْعُمُومِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ كَمَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَلَوْ كَانَتِ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ، وَالْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ مُقَيَّدَةً بِأَسْبَابِهَا غَيْرَ مُتَجَاوِزَةٍ لَهَا لَارْتَفَعَتْ أَكْثَرُ التَّكَالِيفِ عَنِ الْأُمَّةِ إِنْ لَمْ تَرْتَفِعْ كُلُّهَا، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ.
وَفِي السُّنَّةِ الْمُطَهَّرَةِ مِنَ الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا فِي هَذَا الْبَابِ مَا إِنْ عَرَفَهُ الْمُطَّلِعُ عَلَيْهِ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ وَقَدَرَهُ حَقَّ قَدْرِهِ عَلِمَ صِحَّةَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَعَرَفَ حَقِيَقَةَ مَا حَرَّرْنَاهُ. قَرَأَ الْجُمْهُورُ «يَا عبادي» بإثبات الياء وصلا ووفقا، وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ عَنْ عَاصِمٍ أَنَّهُ يَقِفُ بِغَيْرِ يَاءٍ. وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ «تَقْنَطُوا» بِفَتْحِ النُّونِ، قرأ أَبُو عَمْرٍو وَالْكِسَائِيُّ بِكَسْرِهَا وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ أَيِ: ارْجِعُوا إِلَيْهِ بِالطَّاعَةِ. لَمَّا بَشَّرَهُمْ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، أَمَرَهُمْ بِالرُّجُوعِ إِلَيْهِ بِفِعْلِ الطَّاعَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمَعَاصِي، وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يَدُلُّ عَلَى تَقْيِيدِ الْآيَةِ الْأُولَى بِالتَّوْبَةِ لَا بِمُطَابَقَةٍ، وَلَا تَضَمُّنٍ، وَلَا الْتِزَامٍ، بَلْ غَايَةُ مَا فِيهَا أَنَّهُ بَشَّرَهُمْ بِتِلْكَ الْبِشَارَةِ الْعُظْمَى، ثُمَّ دَعَاهُمْ إِلَى الْخَيْرِ وَخَوَّفَهُمْ مِنَ الشَّرِّ عَلَى أَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ:
إِنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ مُسْتَأْنَفَةٌ خِطَابًا لِلْكُفَّارِ الَّذِينَ لَمْ يُسْلِمُوا بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: وَأَسْلِمُوا لَهُ جَاءَ بِهَا لِتَحْذِيرِ الْكُفَّارِ وَإِنْذَارِهِمْ بَعْدَ تَرْغِيبِ الْمُسْلِمِينَ بِالْآيَةِ الْأُولَى وَتَبْشِيرِهِمْ، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا وَلَكِنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ بِهِ، وَالْمَعْنَى عَلَى مَا هُوَ الظَّاهِرُ: أَنَّ اللَّهَ جَمَعَ لِعِبَادِهِ بَيْنَ التَّبْشِيرِ الْعَظِيمِ، وَالْأَمْرِ بِالْإِنَابَةِ إليه والإخلاص له والاستسلام لأمره

[1] الرعد: 6.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 539
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست