responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 521
أَيْ فَلْيُهَاجِرْ إِلَى حَيْثُ يُمْكِنُهُ طَاعَةُ اللَّهِ. وَالْعَمَلُ بِمَا أَمَرَ بِهِ. وَالتَّرْكُ لِمَا نَهَى عَنْهُ، وَمِثْلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:
أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها [1] وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي الْهِجْرَةِ مُسْتَوْفًى فِي سورة النساء، وقيل المراد بأرض هُنَا: أَرْضُ الْجَنَّةِ، رَغَّبَهُمْ فِي سِعَتِهَا وَسِعَةِ نعيمها كما في قوله: جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ [2] وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ مَا لِلْمُحْسِنِينَ إِذَا أَحْسَنُوا، وَكَانَ لَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنَ الصَّبْرِ عَلَى فِعْلِ الطَّاعَةِ وَعَلَى كَفِّ النَّفْسِ عَنِ الشَّهَوَاتِ، أَشَارَ إِلَى فَضِيلَةِ الصَّبْرِ وَعَظِيمِ مِقْدَارِهِ فَقَالَ: إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ أَيْ: يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ أَجْرَهُمْ فِي مُقَابَلَةِ صَبْرِهِمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ، أَيْ: بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى حَصْرِهِ حَاصِرٌ، وَلَا يَسْتَطِيعُ حُسْبَانَهُ حَاسِبٌ. قَالَ عَطَاءٌ: بِمَا لَا يَهْتَدِي إِلَيْهِ عَقْلٌ وَلَا وَصْفٌ. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: أَجْرُهُمُ الْجَنَّةُ، وَأَرْزَاقُهُمْ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ. وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ ثَوَابَ الصَّابِرِينَ وَأَجْرَهُمْ لَا نِهَايَةَ لَهُ، لِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَدْخُلُ تَحْتَ الْحِسَابِ فَهُوَ مُتَنَاهٍ، وَمَا كَانَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحِسَابِ فَهُوَ غَيْرُ مُتَنَاهٍ، وَهَذِهِ فَضِيلَةٌ عَظِيمَةٌ وَمَثُوبَةٌ جَلِيلَةٌ تَقْتَضِي أَنَّ عَلَى كُلِّ رَاغِبٍ فِي ثَوَابِ اللَّهِ، وَطَامِعٍ فِيمَا عِنْدَهُ مِنَ الْخَيْرِ أَنْ يَتَوَفَّرَ عَلَى الصَّبْرِ وَيَزُمَّ نَفْسَهُ بِزِمَامِهِ وَيُقَيِّدَهَا بِقَيْدِهِ، فَإِنَّ الْجَزَعَ لَا يَرُدُّ قَضَاءً قَدْ نَزَلَ، وَلَا يَجْلِبُ خَيْرًا قَدْ سُلِبَ، وَلَا يَدْفَعُ مَكْرُوهًا قَدْ وَقَعَ، وَإِذَا تَصَوَّرَ الْعَاقِلُ هَذَا حَقَّ تَصَوُّرِهِ وَتَعَقَّلَهُ حَقَّ تَعَقُّلِهِ عَلِمَ أَنَّ الصَّابِرَ عَلَى مَا نَزَلَ بِهِ قَدْ فَازَ بِهَذَا الْأَجْرِ الْعَظِيمِ، وَظَفِرَ بِهَذَا الْجَزَاءِ الْخَطِيرِ، وَغَيْرَ الصَّابِرِ قَدْ نَزَلَ بِهِ الْقَضَاءُ شَاءَ أَمْ أَبَى، وَمَعَ ذَلِكَ فَاتَهُ مِنَ الْأَجْرِ مَا لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ وَلَا يُبْلَغُ مَدَاهُ، فَضَمَّ إِلَى مُصِيبَتِهِ مُصِيبَةً أُخْرَى وَلَمْ يَظْفَرْ بِغَيْرِ الْجَزَعِ، وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ مَنْ قَالَ:
أَرَى الصَّبْرَ مَحْمُودًا وَعَنْهُ مَذَاهِبُ ... فَكَيْفَ إِذَا مَا لَمْ يَكُنْ عَنْهُ مَذْهَبُ
هُنَاكَ يَحِقُّ الصَّبْرُ وَالصَّبْرُ وَاجِبٌ ... وَمَا كَانَ مِنْهُ لِلضَّرُورَةِ أَوْجَبُ
ثُمَّ أَمَرَ سُبْحَانَهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُخْبِرَهُمْ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ فَقَالَ: قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ أَيْ: أَعْبُدُهُ عِبَادَةً خَالِصَةً مِنَ الشِّرْكِ وَالرِّيَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ مُقَاتِلٌ: إِنَّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: مَا يَحْمِلُكَ عَلَى الَّذِي أَتَيْتَنَا بِهِ، أَلَا تَنْظُرُ إِلَى مِلَّةِ أَبِيكَ وَجَدِّكَ وَسَادَاتِ قَوْمِكَ يَعْبُدُونَ اللَّاتَ وَالْعُزَّى فَتَأْخُذُ بِهَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ مَعْنَى الْآيَةِ فِي أَوَّلِ هَذِهِ السُّورَةِ وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ أَيْ: مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَكَذَلِكَ كان صلّى الله عليه وَسَلَّمَ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ دِينَ آبَائِهِ وَدَعَا إِلَى التَّوْحِيدِ، وَاللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ: أَيْ وَأَمَرْتُ بِمَا أَمَرْتُ بِهِ لِأَجْلِ أَنْ أَكُونَ، وَقِيلَ: إِنَّهَا مَزِيدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ:
إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ يَعْنِي: الْكُفَّارَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ فَيَقُولُونَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَهُمْ عِبَادُهُ الْمُخْلِصُونَ الَّذِينَ قَالَ: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ فَأَلْزَمَهُمْ شَهَادَةَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحَبَّبَهَا إِلَيْهِمْ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ قَالَ: لَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْمُسْلِمِينَ الْكُفْرَ. وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: وَاللَّهِ مَا رَضِيَ

[1] النساء: 97.
[2] آل عمران: 133.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 521
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست