responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 517
مِنْ نَفْسٍ خَلَقَهَا وَاحِدَةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَطْفُ عَلَى مَعْنَى وَاحِدَةٍ، أَيْ: مِنْ نَفْسٍ انْفَرَدَتْ ثُمَّ جَعَلَ إِلَخْ، وَالتَّعْبِيرُ بِالْجَعْلِ دُونَ الْخَلْقِ مَعَ الْعَطْفِ بثمّ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ خَلْقَ حَوَّاءَ مِنْ ضِلْعِ آدَمَ أُدْخِلَ فِي كَوْنِهِ آيَةً بَاهِرَةً دَالَّةً عَلَى كَمَالِ الْقُدْرَةِ، لِأَنَّ خَلْقَ آدَمَ هُوَ عَلَى عَادَةِ اللَّهِ الْمُسْتَمِرَّةِ فِي خَلْقِهِ، وَخَلْقُهَا عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ لِكَوْنِهِ لَمْ يَخْلُقْ سُبْحَانَهُ أُنْثَى مِنْ ضِلْعِ رَجُلٍ غَيْرَهَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ مُسْتَوْفًى فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ. ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ نَوْعًا آخَرَ مِنْ قُدْرَتِهِ الْبَاهِرَةِ فَقَالَ: وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى خَلَقَكُمْ، وَعَبَّرَ بِالْإِنْزَالِ لِمَا يُرْوَى أَنَّهُ خَلَقَهَا فِي الْجَنَّةِ ثُمَّ أَنْزَلَهَا، فَيَكُونُ الْإِنْزَالُ حَقِيقَةً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا، لِأَنَّهَا لَمْ تَعِشْ إِلَّا بِالنَّبَاتِ، وَالنَّبَاتُ إِنَّمَا يَعِيشُ بِالْمَاءِ وَالْمَاءُ مُنَزَّلٌ مِنَ السَّمَاءِ، كَانَتِ الْأَنْعَامُ كَأَنَّهَا مُنَزَّلَةٌ، لِأَنَّ سَبَبَ سَبَبِهَا مُنَزَّلٌ كَمَا أُطْلِقَ عَلَى السَّبَبِ فِي قَوْلِهِ:
إِذَا نَزَلَ السَّمَاءُ بِأَرْضِ قَوْمٍ ... رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابًا
وَقِيلَ: إِنَّ أَنْزَلَ بِمَعْنَى أَنْشَأَ وَجَعَلَ، أَوْ بِمَعْنَى: أَعْطَى، وَقِيلَ: جُعِلَ الْخَلْقُ إِنْزَالًا، لِأَنَّ الْخَلْقَ إِنَّمَا يَكُونُ بِأَمْرٍ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَالثَّمَانِيَةُ الْأَزْوَاجُ: هِيَ مَا فِي قَوْلِهِ مِنَ الضَّأْنِ اثنين، ومن المعز اثنين، ومن الإبل اثنين، ومن البقر اثنين، وَيَعْنِي بِالِاثْنَيْنِ فِي الْأَرْبَعَةِ الْمَوَاضِعِ: الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْآيَةِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ.
ثُمَّ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ نَوْعًا آخَرَ مِنْ قُدْرَتِهِ الْبَدِيعَةِ فَقَالَ: يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ وَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافِيَّةٌ لِبَيَانِ مَا تضمنته من الأطوار المختلفة في خلقهم، وخلقا: مصدر مؤكد للفعل المذكور، ومِنْ بَعْدِ خَلْقٍ: صِفَةٌ لَهُ، أَيْ: خَلْقًا كَائِنًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ. قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ: نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً، ثُمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ عَظْمًا، ثُمَّ لَحْمًا. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: خَلَقَكُمْ خَلْقًا فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ مِنْ بَعْدِ خَلْقِكُمْ فِي ظَهْرِ آدَمَ، وَقَوْلُهُ:
فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ: يَخْلُقُكُمْ وَهَذِهِ الظُّلُمَاتُ الثَّلَاثُ هِيَ: ظُلْمَةُ الْبَطْنِ، وَظُلْمَةُ الرَّحِمِ، وَظُلْمَةُ الْمَشِيمَةِ قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: ظُلْمَةُ الْمَشِيمَةِ، وَظُلْمَةُ الرَّحِمِ، وَظُلْمَةُ اللَّيْلِ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: ظُلْمَةُ صُلْبِ الرَّجُلِ، وَظُلْمَةُ بَطْنِ الْمَرْأَةِ، وَظُلْمَةُ الرَّحِمِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكُمُ اللَّهُ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ بِاعْتِبَارِ أَفْعَالِهِ السَّابِقَةِ، وَالِاسْمُ الشَّرِيفُ: خَبَرُهُ رَبُّكُمْ خَبَرٌ آخَرُ لَهُ الْمُلْكُ الْحَقِيقِيُّ فِي الدنيا والآخرة لا شركة لغيره فِيهِ، وَهُوَ خَبَرٌ ثَالِثٌ، وَقَوْلُهُ: لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ خَبَرٌ رَابِعٌ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ أَيْ: فَكَيْفَ تَنْصَرِفُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَتَنْقَلِبُونَ عَنْهَا إِلَى عِبَادَةِ غَيْرِهِ.
قَرَأَ حَمْزَةُ: «إِمِّهَاتِكُمْ» بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ. وَقَرَأَ الْكِسَائِيُّ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُعْطِي أَمْوَالَنَا الْتِمَاسَ الذِّكْرِ فَهَلْ لَنَا فِي ذَلِكَ مِنْ أَجْرٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا» قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا نُعْطِي الْتِمَاسَ الْأَجْرِ وَالذِّكْرِ فَهَلْ لَنَا أَجْرٌ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبَلُ إِلَّا مَا أُخْلِصَ لَهُ، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ» وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنُ الْمُنْذِرِ، وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: يُكَوِّرُ اللَّيْلَ

نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 517
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست