responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 465
جَانِبَيِ الْجَبْهَةِ، فَلِلْوَجْهِ جَبِينَانِ وَالْجَبْهَةُ بَيْنَهُمَا، وَقِيلَ: كَبَّهُ عَلَى وَجْهِهِ كَيْلَا يُرَى مِنْهُ مَا يُؤَثِّرُ الرِّقَّةَ لِقَلْبِهِ.
وَاخْتُلِفَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَرَادَ ذَبْحَهُ فِيهِ، فَقِيلَ: هُوَ مَكَّةُ فِي الْمَقَامِ، وَقِيلَ: فِي الْمَنْحَرِ بِمِنًى عِنْدَ الْجِمَارِ، وَقِيلَ: عَلَى الصَّخْرَةِ الَّتِي بِأَصْلِ جَبَلِ ثَبِيرٍ، وقيل: بالشام وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا أَيْ: عَزَمْتَ عَلَى الْإِتْيَانِ بِمَا رَأَيْتَهُ. قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: لَمَّا أَضْجَعَهُ لِلذَّبْحِ نُودِيَ مِنَ الْجَبَلِ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا، وَجَعَلَهُ مُصَدِّقًا بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ وَإِنْ لَمْ يَذْبَحْهُ لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِمَا أَمْكَنَهُ، وَالْمَطْلُوبُ اسْتِسْلَامُهُمَا لِأَمْرِ اللَّهِ وَقَدْ فَعَلَا. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ إِنَّ نَفْسَ الذَّبْحِ لَمْ يَقَعْ، وَلَوْ وَقَعَ لَمْ يُتَصَوَّرْ رَفْعُهُ، فَكَانَ هَذَا مِنْ بَابِ النَّسْخِ قَبْلَ الْفِعْلِ، لِأَنَّهُ لَوْ حَصَلَ الْفَرَاغُ مِنِ امْتِثَالِ الْأَمْرِ بِالذَّبْحِ مَا تَحَقَّقَ الْفِدَاءُ. قَالَ: وَمَعْنَى.
صَدَّقْتَ الرُّؤْيا فَعَلْتَ مَا أَمْكَنَكَ ثُمَّ امْتَنَعْتَ لَمَّا مَنَعْنَاكَ، هَذَا أَصَحُّ مَا قِيلَ فِي هَذَا الْبَابِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ:
لَيْسَ هَذَا مِمَّا يُنْسَخُ بِوَجْهٍ، لِأَنَّ مَعْنَى ذَبَحْتَ الشَّيْءَ قَطَعْتَهُ، وَقَدْ كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَأْخُذُ السِّكِّينَ فَيَمُرُّ بِهَا عَلَى حَلْقِهِ فَتَنْقَلِبُ كَمَا قَالَ مُجَاهِدٌ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ كُلَّمَا قَطَعَ جُزْءًا الْتَأَمَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ السُّدِّيُّ: ضَرَبَ اللَّهُ عَلَى عُنُقِهِ صَفِيحَةَ نُحَاسٍ، فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ يَحُزُّ وَلَا يَقْطَعُ شَيْئًا. وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ مَا أُمِرَ بِالذَّبْحِ الْحَقِيقِيِّ الَّذِي هُوَ فَرْيُ الْأَوْدَاجِ، وَإِنْهَارُ الدَّمِ، وَإِنَّمَا رَأَى أَنَّهُ أَضْجَعَهُ لِلذَّبْحِ، فَتَوَهَّمَ أَنَّهُ أَمْرٌ بالذبح الحقيقي فلما أتى بما أمر بِهِ مِنَ الْإِضْجَاعِ قِيلَ لَهُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ أَيْ: نَجْزِيهِمْ بِالْخَلَاصِ مِنَ الشَّدَائِدِ وَالسَّلَامَةِ مِنِ الْمِحَنِ، فَالْجُمْلَةُ كالتعليل لما قبلها. قال مقاتل: جزاء اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِإِحْسَانِهِ فِي طَاعَتِهِ الْعَفْوَ عَنْ ذَبْحِ ابْنِهِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ الْبَلَاءُ وَالِابْتِلَاءُ: الِاخْتِبَارُ، وَالْمَعْنَى: إِنَّ هَذَا هُوَ الِاخْتِبَارُ الظَّاهِرُ حَيْثُ اخْتَبَرَهُ اللَّهُ فِي طَاعَتِهِ بذبح ولده. وقيل المعنى: إن هذا هو النِّعْمَةُ الظَّاهِرَةُ حَيْثُ سَلَّمَ اللَّهُ وَلَدَهُ مِنَ الذَّبْحِ وَفَدَاهُ بِالْكَبْشِ، يُقَالُ أَبْلَاهُ اللَّهُ إِبْلَاءً وَبَلَاءً: إِذَا أَنْعَمَ عَلَيْهِ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَإِنْ كَانَ الِابْتِلَاءُ يُسْتَعْمَلُ فِي الِاخْتِبَارِ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ، ومنه وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [1] وَلَكِنَّ الْمُنَاسِبَ لِلْمَقَامِ الْمَعْنَى الْأَوَّلُ. قَالَ أَبُو زَيْدٍ: هَذَا فِي الْبَلَاءِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ فِي أَنْ يَذْبَحَ وَلَدَهُ. قَالَ: وَهَذَا مِنَ الْبَلَاءِ الْمَكْرُوهِ وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ الذِّبْحُ: اسْمُ الْمَذْبُوحِ وَجَمْعُهُ ذُبُوحٌ كَالطَّحْنِ اسْمٌ لِلْمَطْحُونِ، وَبِالْفَتْحِ الْمَصْدَرُ، وَمَعْنَى عَظِيمٍ: عَظِيمُ الْقَدْرِ، وَلَمْ يُرِدْ عِظَمَ الْجُثَّةِ وَإِنَّمَا عَظَّمَ قَدْرَهُ لِأَنَّهُ فُدِيَ بِهِ الذَّبِيحُ، أَوْ لِأَنَّهُ مُتَقَبَّلٌ. قَالَ النَّحَّاسُ: الْعَظِيمُ فِي اللُّغَةِ يَكُونُ لِلْكَبِيرِ وَلِلشَّرِيفِ، وَأَهْلُ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّهُ هَاهُنَا لِلشَّرِيفِ: أَيِ الْمُتَقَبَّلِ. قَالَ الْوَاحِدِيُّ: قَالَ أَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ:
أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَبْشٌ قَدْ رَعَى فِي الْجَنَّةِ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَا فُدِيَ إِلَّا بِتَيْسٍ مِنَ الْأَرْوَى أُهْبِطَ عَلَيْهِ مِنْ ثَبِيرٍ فَذَبَحَهُ إِبْرَاهِيمُ فِدَاءً عَنِ ابْنِهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: قَدْ قِيلَ إِنَّهُ فُدِيَ بِوَعْلٍ، وَالْوَعْلُ التَّيْسُ الْجَبَلِيُّ، وَمَعْنَى الْآيَةِ:
جَعَلْنَا الذِّبْحَ فِدَاءً لَهُ وَخَلَّصْنَاهُ بِهِ مِنَ الذَّبْحِ وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ أَيْ: فِي الْأُمَمِ الْآخِرَةِ الَّتِي تَأْتِي بَعْدَهُ، وَالسَّلَامُ الثَّنَاءُ الْجَمِيلُ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: سَلَامٌ مِنَّا، وَقِيلَ: سَلَامَةٌ مِنَ الْآفَاتِ، وَالْكَلَامُ فِي هَذَا كَالْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ: سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بَيَانُ مَعْنَاهُ، وَوَجْهُ إِعْرَابِهِ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ أَيْ: مِثْلَ ذَلِكَ الْجَزَاءِ الْعَظِيمِ نَجْزِي مَنِ انقاد لأمر الله

[1] الأنبياء: 35.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 465
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست