responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 415
وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا أَيْ: مَنَعْنَاهُمْ عَنِ الْإِيمَانِ بِمَوَانِعَ فَهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ، كَالْمَضْرُوبِ أَمَامَهُ وَخَلْفَهُ بِالْأَسْدَادِ، وَالسَّدُّ بِضَمِّ السِّينِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْآيَةِ قول الشاعر:
ومن الحوادث لا أبالك أَنَّنِي ... ضُرِبَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِالْأَسْدَادِ
لَا أَهْتَدِي فيها لموضع تلعة ... بين العذيب وَبَيْنَ أَرْضِ مُرَادِ
فَأَغْشَيْناهُمْ أَيْ: غَطَّيْنَا أَبْصَارَهُمْ فَهُمْ بِسَبَبِ ذَلِكَ لَا يُبْصِرُونَ أَيْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى إِبْصَارِ شَيْءٍ. قَالَ الْفَرَّاءُ: فَأَلْبَسْنَا أَبْصَارَهُمْ غِشَاوَةً: أَيْ عَمًى، فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ سَبِيلَ الْهُدَى، وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ: إِنَّ الْمَعْنَى لَا يُبْصِرُونَ الْهُدَى. وَقَالَ السُّدِّيُّ: لَا يُبْصِرُونَ مُحَمَّدًا حِينَ ائْتَمَرُوا عَلَى قَتْلِهِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ:
وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا: أَيِ الدُّنْيَا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا: أَيِ الْآخِرَةَ فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ: أَيْ عَمُوا عَنِ الْبَعْثِ، وَعَمُوا عَنْ قَبُولِ الشَّرَائِعِ فِي الدُّنْيَا. وَقِيلَ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمُ الْآخِرَةُ وَمَا خَلْفَهُمُ الدُّنْيَا، قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ: أَيْ غَطَّيْنَا أَبْصَارَهُمْ، فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعُمَرُ بن عبد العزيز، والحسن، ويحيى ابن يعمر، وأبو رجاء، وعكرمة بالعين الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْعَشَا، وَهُوَ ضَعْفُ الْبَصَرِ. وَمِنْهُ وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ [1] وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ أَيْ: إِنْذَارُكَ إِيَّاهُمْ وَعَدَمُهُ سَوَاءٌ. قَالَ الزَّجَّاجُ: أَيْ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ هَذَا الْإِضْلَالَ لَمْ يَنْفَعْهُ الْإِنْذَارُ إِنَّمَا يَنْفَعُ الْإِنْذَارُ مَنْ ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ أَيِ: اتَّبَعَ الْقُرْآنَ، وَخَشِيَ اللَّهَ فِي الدُّنْيَا، وَجُمْلَةُ «لَا يُؤْمِنُونَ» مُسْتَأْنَفَةٌ مُبَيِّنَةٌ لِمَا قَبْلَهَا مِنَ الِاسْتِوَاءِ، أَوْ فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ، أَوْ بَدَلٌ، وبالغيب فِي مَحَلِّ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْفَاعِلِ أَوِ الْمَفْعُولِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ أَيْ: بِشِّرْ هَذَا الَّذِي اتَّبَعَ الذِّكْرَ، وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ بِمَغْفِرَةٍ عَظِيمَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ، أَيْ: حَسَنٍ، وَهُوَ الْجَنَّةُ. ثُمَّ أَخْبَرَ سُبْحَانَهُ بِإِحْيَائِهِ الْمَوْتَى فقال: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى أَيْ: نَبْعَثُهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَقَالَ الْحَسَنُ وَالضَّحَّاكُ: أَيْ نُحْيِيهِمْ بِالْإِيمَانِ بَعْدَ الْجَهْلِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ بِكَتْبِ آثَارِهِمْ فَقَالَ: وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا أَيْ أَسْلَفُوا مِنَ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ والطالحة وَآثارَهُمْ أي ما أبقوه من الحسنة الَّتِي لَا يَنْقَطِعُ نَفْعُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ: كَمَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، أَوِ السَّيِّئَاتِ الَّتِي تَبْقَى بَعْدَ مَوْتِ فَاعِلِهَا، كَمَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً. قَالَ مُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ: وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ [2] وقوله: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ
«3» وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْآيَةِ آثَارُ الْمَشَّائِينَ إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهُوَ أَوْلَى مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ لِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ. وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِعُمُومِ الْآيَةِ لَا بِخُصُوصِ سَبَبِهَا، وَعُمُومُهَا يَقْتَضِي كَتْبَ جَمِيعِ آثَارِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَمِنَ الخير تعليم العلم وَتَصْنِيفَهُ، وَالْوَقْفُ عَلَى الْقِرَبِ، وَعِمَارَةُ الْمَسَاجِدِ، وَالْقَنَاطِرِ. وَمِنَ الشَّرِّ ابْتِدَاعُ الْمَظَالِمِ وَإِحْدَاثُ مَا يَضُرُّ بِالنَّاسِ، وَيَقْتَدِي بِهِ أَهْلُ الْجَوْرِ، وَيَعْمَلُونَ عَلَيْهِ مِنْ مَكْسٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ أَيْ: وَكُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِ الْعِبَادِ وَغَيْرِهَا كَائِنًا مَا كَانَ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ، أَيْ: كِتَابٍ

[1] الزخرف: 36.
[2] الانفطار: 5.
(3) . القيامة: 13.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 415
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست