responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 402
النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ [1] وَنَحْوِهَا مِنَ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ الَّتِي فِيهَا تَقْدِيمُ أَهْلِ الشَّرِّ عَلَى أَهْلِ الْخَيْرِ، وَتَقْدِيمُ الْمَفْضُولِينَ عَلَى الْفَاضِلِينَ. وَقِيلَ: وَجْهُ التَّقْدِيمِ هُنَا أَنَّ الْمُقْتَصِدِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى أَهْلِ الْمَعَاصِي قَلِيلٌ، وَالسَّابِقِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْفَرِيقَيْنِ أَقَلُّ قَلِيلٍ، فَقَدَّمَ الْأَكْثَرَ عَلَى الْأَقَلِّ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى فَإِنَّ الْكَثْرَةَ بِمُجَرَّدِهَا لَا تَقْتَضِي تَقْدِيمَ الذِّكْرِ، وَقَدْ قِيلَ فِي وَجْهِ التَّقْدِيمِ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا مِمَّا لَا حَاجَةَ إِلَى التَّطْوِيلِ بِهِ، وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: ذلِكَ إِلَى تَوْرِيثِ الْكِتَابِ وَالِاصْطِفَاءِ، وَقِيلَ: إِلَى السَّبْقِ بِالْخَيْرَاتِ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَهُوَ: مُبْتَدَأٌ، وَخَبَرُهُ: هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ أَيِ: الْفَضْلُ الَّذِي لَا يُقَادَرُ قَدْرُهُ، وَارْتِفَاعُ جَنَّاتُ عَدْنٍ عَلَى أَنَّهَا مُبْتَدَأٌ، وَمَا بَعْدَهَا خَبَرُهَا، أَوْ عَلَى الْبَدَلِ مِنَ الْفَضْلِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ هُوَ السَّبَبَ فِي نَيْلِ الثَّوَابِ نُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْمُسَبِّبِ، وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ جُمْلَةُ:
يَدْخُلُونَها مُسْتَأْنَفَةً وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الضَّمِيرَ فِي يَدْخُلُونَهَا يَعُودُ إِلَى الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ، فَلَا وَجْهَ لِقَصْرِهِ عَلَى الصِّنْفِ الْأَخِيرِ، وَقَرَأَ زِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ وَالتِّرْمِذِيُّ «جَنَّةُ» بِالْإِفْرَادِ، وَقَرَأَ الْجَحْدَرِيُّ «جَنَّاتٍ» بِالنَّصْبِ عَلَى الِاشْتِغَالِ، وَجَوَّزَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ تَكُونَ جَنَّاتُ خَبَرًا ثَانِيًا لِاسْمِ الْإِشَارَةِ، وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو «يُدْخَلُونَهَا» عَلَى الْبِنَاءِ للمفعول، وقوله: يُحَلَّوْنَ خبر ثان لجنات عَدْنٍ، أَوْ حَالٌ مُقَدَّرَةٌ، وَهُوَ مِنْ حَلِيَتِ الْمَرْأَةُ فَهِيَ حَالٍ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى سُرْعَةِ الدُّخُولِ، فَإِنَّ فِي تَحْلِيَتِهِمْ خَارِجَ الْجَنَّةِ تَأْخِيرًا لِلدُّخُولِ، فَلَمَّا قَالَ: يُحَلَّوْنَ فِيها أَشَارَ أَنَّ دُخُولَهُمْ عَلَى وَجْهِ السُّرْعَةِ مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ الْأُولَى تَبْعِيضِيَّةٌ، وَالثَّانِيَةُ بَيَانِيَّةٌ، أَيْ: يُحَلَّوْنَ بَعْضَ أَسَاوِرَ كَائِنَةً مِنْ ذَهَبٍ، وَالْأَسَاوِرُ جَمْعُ أَسْوِرَةٍ جَمْعِ سِوَارٍ، وَانْتِصَابُ لُؤْلُؤاً بِالْعَطْفِ عَلَى مَحَلِّ مِنْ أَساوِرَ وَقُرِئَ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى ذَهَبٍ وَلِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ قَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ الْآيَةِ مُسْتَوْفًى فِي سُورَةِ الْحَجِّ وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ قَرَأَ الجمهور «الحزن» بفتحتين. وقرأ جناح ابن حُبَيْشٍ بِضَمِّ الْحَاءِ وَسُكُونِ الزَّايِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ يَقُولُونَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ إِذَا دَخَلُوا الْجَنَّةَ. قَالَ قَتَادَةُ: حَزَنُ الْمَوْتِ. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: حَزَنُ السَّيِّئَاتِ وَالذُّنُوبِ وَخَوْفُ رَدِّ الطَّاعَاتِ. وَقَالَ الْقَاسِمُ: حَزَنُ زَوَالِ النِّعَمِ وَخَوْفُ الْعَاقِبَةِ. وَقِيلَ حَزَنُ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: مَا كَانَ يُحْزِنُهُمْ فِي الدُّنْيَا مِنْ أَمْرِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هَمُّ الْخُبْزِ فِي الدُّنْيَا، وَقِيلَ هَمُّ الْمَعِيشَةِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ كُلَّ الْأَحْزَانِ مَا كَانَ مِنْهَا لِمَعَاشٍ أَوْ مَعَادٍ. وَهَذَا أَرْجَحُ الْأَقْوَالِ، فَإِنَّ الدُّنْيَا وَإِنْ بَلَغَ نَعِيمُهَا أَيَّ مَبْلَغٍ لَا تَخْلُو مِنْ شَوَائِبَ وَنَوَائِبَ تَكْثُرُ لِأَجْلِهَا الْأَحْزَانُ، وَخُصُوصًا أَهْلَ الْإِيمَانِ، فَإِنَّهُمْ لَا يَزَالُونَ وَجِلِينَ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ خَائِفِينَ مِنْ عِقَابِهِ، مُضْطَرِبِي الْقُلُوبِ فِي كُلِّ حِينٍ، هَلْ تُقْبَلُ أَعْمَالُهُمْ أَوْ تُرَدُّ؟ حَذِرِينَ مِنْ عَاقِبَةِ السُّوءِ وَخَاتِمَةِ الشَّرِّ، ثُمَّ لَا تَزَالُ هُمُومُهُمْ وَأَحْزَانُهُمْ حَتَّى يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ. وَأَمَّا أَهْلُ الْعِصْيَانِ: فَهُمْ وَإِنْ نُفِّسَ عَنْ خِنَاقِهِمْ قَلِيلًا فِي حَيَاةِ الدُّنْيَا الَّتِي هِيَ دَارُ الْغُرُورِ، وَتَنَاسَوْا دَارَ الْقَرَارِ يَوْمًا مِنْ دَهْرِهِمْ فَلَا بُدَّ أَنْ يَشْتَدَّ وَجَلُهُمْ وَتَعْظُمَ مُصِيبَتُهُمْ، وَتَغْلِيَ مَرَاجِلُ أَحْزَانِهِمْ إِذَا شَارَفُوا الْمَوْتَ، وَقَرُبُوا مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ، ثُمَّ إِذَا قُبِضَتْ أَرْوَاحُهُمْ، وَلَاحَ لَهُمْ مَا يسوءهم مِنْ جَزَاءِ أَعْمَالِهِمُ ازْدَادُوا غَمًّا وَحُزْنًا، فَإِنْ تَفَضَّلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِالْمَغْفِرَةِ، وَأَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ، فَقَدْ أَذْهَبَ عَنْهُمْ أَحْزَانَهُمْ وَأَزَالَ غُمُومَهُمْ وَهُمُومَهُمْ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ أَيْ: غَفُورٌ لِمَنْ عَصَاهُ، شكور لمن أطاعه

[1] الحشر: 20.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 402
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست