responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 383
أَيْ: مَا هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، وَقِيلَ إِنَّ جُمْلَةَ: مَا بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ مُسْتَأْنَفَةٌ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ مَسُوقَةٌ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى طَرِيقَةِ النَّظَرِ، وَالتَّأَمُّلِ بِأَنَّ هذا الأمر العظيم والدعوى، لَا يُعَرِّضُ نَفْسَهُ لَهُ إِلَّا مَجْنُونٌ لَا يُبَالِي بِمَا يُقَالُ فِيهِ، وَمَا يُنْسَبُ إِلَيْهِ مِنَ الْكَذِبِ، وَقَدْ عَلِمُوا أَنَّهُ أَرْجَحُ النَّاسِ عَقْلًا، فَوَجَبَ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي دَعْوَاهُ، لَا سِيَّمَا مَعَ انْضِمَامِ الْمُعْجِزَةِ الْوَاضِحَةِ وَإِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَفْتَرِي الْكَذِبَ، وَلَا قَدْ جَرَّبُوا عَلَيْهِ كَذِبًا مُدَّةَ عُمُرِهِ وَعُمُرِهِمْ. وَقِيلَ: يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مَا فِي مَا بِصاحِبِكُمْ اسْتِفْهَامِيَّةً، أَيْ: ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا أَيَّ شَيْءٍ بِهِ مِنْ آثَارِ الْجُنُونِ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ هِيَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ كَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ. وَقِيلَ: الْقُرْآنُ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْمَوَاعِظَ كُلَّهَا، وَالْأَوْلَى مَا ذَكَرْنَاهُ أَوَّلًا. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ أَنْ فِي قَوْلِهِ: أَنْ تَقُومُوا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بِمَعْنَى لَأَنْ تَقُومُوا.
وَقَالَ السُّدِّيُّ: مَعْنَى مَثْنَى وَفُرَادَى: مُنْفَرِدًا برأيه، ومشاورا لغيره. وقال القتبي مُنَاظِرًا مَعَ عَشِيرَتِهِ، وَمُفَكِّرًا فِي نَفْسِهِ. وَقِيلَ الْمُثَنَّى: عَمَلُ النَّهَارِ، وَالْفُرَادَى: عَمَلُ اللَّيْلِ، قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَمَا أَبْرَدَ هَذَا الْقَوْلَ وَأَقَلَّ جَدْوَاهُ. وَاخْتَارَ أَبُو حَاتِمٍ وَابْنُ الْأَنْبَارِيِّ الْوَقْفَ عَلَى قَوْلِهِ: ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا وَعَلَى هَذَا تَكُونُ جُمْلَةُ: مَا بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ مُسْتَأْنَفَةً كَمَا قَدَّمْنَا، وَقِيلَ: لَيْسَ بِوَقْفٍ، لِأَنَّ الْمَعْنَى: ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا هل جربتم عليه كذبا، أو رأيتم منه جِنَّةٍ، أَوْ فِي أَحْوَالِهِ مِنْ فَسَادٍ. ثُمَّ أَمَرَ سُبْحَانَهُ أَنْ يُخْبِرَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَرَضٌ فِي الدُّنْيَا، وَلَا رَغْبَةٌ فِيهَا حَتَّى تَنْقَطِعَ عِنْدَهُمُ الشُّكُوكُ، وَيَرْتَفِعَ الرَّيْبُ فَقَالَ: قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ أَيْ: مَا طَلَبْتُ مِنْكُمْ مِنْ جُعْلٍ تَجْعَلُونَهُ لِي مُقَابِلَ الرِّسَالَةِ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ سَأَلْتُكُمُوهُ، وَالْمُرَادُ نَفِيُ السُّؤَالِ بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ:
مَا أَمْلِكُهُ فِي هَذَا فَقَدْ وَهَبْتُهُ لَكَ، يُرِيدُ أَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ أَصْلًا، ومثل هذه الآية قوله: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى [1] وقوله: ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا [2] .
ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ أَجْرَهُ عِنْدَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فَقَالَ: إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ أَيْ: مَا أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أي: مطلع لا يغيب عنه منه شيء قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِ
القذف: الرَّمْيُ بِالسَّهْمِ، وَالْحَصَى، وَالْكَلَامِ. قَالَ الْكَلْبِيُّ: يَرْمِي عَلَى مَعْنَى يَأْتِي بِهِ، وَقَالَ مُقَاتِلٌ: يَتَكَلَّمُ بِالْحَقِّ وَهُوَ الْقُرْآنُ وَالْوَحْيُ، أَيْ: يُلْقِيهِ إِلَى أَنْبِيَائِهِ. وَقَالَ قَتَادَةُ بِالْحَقِّ أَيْ: بِالْوَحْيِ، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يُبَيِّنُ الْحُجَّةَ، وَيُظْهِرُهَا لِلنَّاسِ عَلَى أَلْسُنِ رُسُلِهِ، وَقِيلَ: يَرْمِي الْبَاطِلَ بِالْحَقِّ فَيَدْمَغُهُ عَلَّامُ الْغُيُوبِ قَرَأَ الْجُمْهُورُ بِرَفْعِ عَلَّامُ عَلَى أَنَّهُ خبر ثان لأنّ، أَوْ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَوْ بَدَلٌ مِنْ الضَّمِيرِ فِي يَقْذِفُ، أَوْ مَعْطُوفٌ عَلَى مَحَلِّ اسْمِ إِنَّ. قَالَ الزَّجَّاجُ: الرَّفْعُ مِنْ وَجْهَيْنِ عَلَى الْمَوْضِعِ، لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ رَفْعٍ، أَوْ عَلَى الْبَدَلِ. وَقَرَأَ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ وَعِيسَى بن عمرو بن أَبِي إِسْحَاقَ بِالنَّصْبِ نَعْتًا لِاسْمِ إِنَّ أَوْ بَدَلًا مِنْهُ، أَوْ عَلَى الْمَدْحِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَالرَّفْعُ فِي مِثْلِ هَذَا أَكْثَرُ كَقَوْلِهِ: إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌّ تَخاصُمُ أَهْلِ النَّارِ [3] ، وَقُرِئَ الْغُيُوبِ بِالْحَرَكَاتِ الثَّلَاثِ فِي الْغَيْنِ، وَهُوَ جَمْعُ غَيْبٍ، وَالْغَيْبُ هُوَ الْأَمْرُ الَّذِي غَابَ وخفي جدّا قُلْ جاءَ الْحَقُ

[1] الشورى: 23.
[2] الفرقان: 57.
[3] ص: 64.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 383
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست