responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 38
لَمَّا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ مِنَ الْأَحْكَامِ مَا بَيَّنَ، أَرْدَفَ ذَلِكَ بِكَوْنِهِ سُبْحَانَهُ فِي غَايَةِ الْكَمَالِ فَقَالَ اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ لِتَقْرِيرِ مَا قَبْلَهَا، وَالِاسْمُ الشَّرِيفُ: مُبْتَدَأٌ، ونور السموات وَالْأَرْضِ:
خَبَرُهُ، إِمَّا عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ، أَيْ: ذو نور السموات وَالْأَرْضِ، أَوْ لِكَوْنِ الْمُرَادِ الْمُبَالَغَةَ فِي وَصْفِهِ سُبْحَانَهُ بِأَنَّهُ نُورٌ لِكَمَالِ جَلَالِهِ وَظُهُورِ عَدْلِهِ وبسط أَحْكَامَهُ، كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ نُورُ الْبَلَدِ وَقَمَرُ الزَّمَنِ وَشَمْسُ الْعَصْرِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:
فَإِنَّكَ شَمْسٌ وَالْمُلُوكُ كَوَاكِبُ ... إِذَا ظَهَرَتْ لَمْ يَبْقَ فيهنّ كوكب «1»
وقول الآخر:
هلّا خصصت من البلاد بمقصد ... قَمَرُ الْقَبَائِلِ خَالِدُ بْنُ يَزِيدِ
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِذَا سَارَ عَبْدُ اللَّهِ مِنْ مَرْوِ لَيْلَةً ... فَقَدْ سَارَ مِنْهَا نُورُهَا وَجِمَالُهَا
وَقَوْلُ الْآخَرِ:
نَسَبٌ كَأَنَّ عَلَيْهِ مِنْ شَمْسِ الضُّحَى ... نُورًا وَمِنْ فَلَقَ الصَّبَاحِ عَمُودَا
وَمَعْنَى النُّورِ فِي اللُّغَةِ: الضِّيَاءُ، وَهُوَ الَّذِي يُبَيِّنُ الْأَشْيَاءَ وَيُرِيَ الْأَبْصَارَ حَقِيقَةَ مَا تَرَاهُ، فَيَجُوزُ إِطْلَاقُ النُّورِ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ عَلَى طَرِيقَةِ الْمَدْحِ، وَلِكَوْنِهِ أَوْجَدَ الْأَشْيَاءِ الْمُنَوَّرَةِ وَأَوْجَدَ أَنْوَارَهَا وَنُورَهَا، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى قِرَاءَةُ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ، وَأَبِي جَعْفَرٍ وَعَبْدِ الْعَزِيزِ الْمَكِّيِّ «الله نور السموات وَالْأَرْضَ» عَلَى صِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي، وَفَاعِلِهِ ضَمِيرٌ يرجع إلى الله، والسموات مَفْعُولُهُ فَمَعْنَى اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ صَيَّرَهُمَا مُنِيرَتَيْنِ بِاسْتِقَامَةِ أَحْوَالِ أَهْلِهِمَا وَكَمَالِ تَدْبِيرِهِ عَزَّ وَجَلَّ لِمَنْ فِيهِمَا، كَمَا يُقَالُ: الْمَلِكُ نُورُ الْبَلَدِ، هَكَذَا قَالَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ وَالْأَزْهَرِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَالْقُرَظِيُّ وَابْنُ عَرَفَةَ وَابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرِهِمْ، وَمَثَلُهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَأَنْتَ لَنَا نُورٌ وغيث وعصمة ... ونبت لمن يرجو نداك وريق
وَقَالَ هِشَامٌ الْجَوَالِيقِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمُجَسِّمَةِ: إِنَّهُ سُبْحَانَهُ نُورٌ لَا كَالْأَنْوَارِ، وَجِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ، وَقَوْلُهُ:
مَثَلُ نُورِهِ مُبْتَدَأٌ. وَخَبَرُهُ كَمِشْكاةٍ أَيْ: صِفَةُ نُورِهِ الْفَائِضِ عَنْهُ، الظَّاهِرُ عَلَى الْأَشْيَاءِ كَمِشْكَاةِ، وَالْمِشْكَاةُ: الْكُوَّةُ فِي الْحَائِطِ غَيْرُ النَّافِذَةِ، كَذَا حَكَاهُ الْوَاحِدِيُّ عَنْ جَمِيعِ الْمُفَسِّرِينَ، وَحَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ جُمْهُورِهِمْ. وَوَجْهُ تَخْصِيصِ الْمِشْكَاةِ أَنَّهَا أَجْمَعُ لِلضَّوْءِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ، مِنْ مِصْبَاحٍ أو غيره، وأصل المشكاة الوعاء يُجْعَلُ فِيهِ الشَّيْءُ. وَقِيلَ: الْمِشْكَاةُ عَمُودُ الْقِنْدِيلِ الَّذِي فِيهِ الْفَتِيلَةُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: هِيَ الْقِنْدِيلُ. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
كَأَنَّ عَيْنَيْهِ مشكاتان في حجر

(1) . وفي رواية: إذا طلعت لم يبد منهن كوكب.
نام کتاب : فتح القدير نویسنده : الشوكاني    جلد : 4  صفحه : 38
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست